يقول الضالعون فى الشأن السياسى المصرى إن ثمة حزباً تأسس فى السنوات القليلة الماضية تحت اسم «حراس الوطن»، ولكن أحداً لا يعلم على وجه التحديد كيفية قيام الحزب المذكور بحراسة أو حماية الوطن، ولا أحد يعلم أيضاً إن كان يؤدى هذه المهمة أصلاً أم أنه مجرد اسم اختاره أصحاب الحزب لأنه «ببلاش» كسائر الأسماء فى جمهورية مصر العربية.
حراسة أو حماية الوطن يتكفل بها فى المقام الأول والمباشر المحترفون والمتطوعون والمجندون فى صفوف القوات المسلحة، ثم يأتى بعدهم المكلفون بالحفاظ على الأمن الداخلى، مثل ضباط وأمناء وجنود الشرطة، وتتكفل جهات أخرى بحراسة الوطن من خلال أمن المعلومات.
فى عهد الزعيم المؤمن محمد أنور السادات توسع النظام المصرى فى حراسة وحماية وتأمين الوطن، حيث لم يكتف الرئيس المذكور بالأجهزة والهيئات الأمنية التقليدية ولكنه استحدث فروعاً أمنية تتكفل بحراسة الوطن والمواطن فى مجالات شتى، ففى ذلك العهد عرف المصريون لأول مرة الأمن الغذائى والأمن الكسائى إلى جانب الأمن الصحى، تكفلت المجمعات الاستهلاكية والأكشاك الإضافية التابعة لوزارة التموين بمهمة الأمن الغذائى، من خلال توفير السمك المثلج المستورد من روسيا وغيرها والدواجن المستوردة واللحوم المجمدة وأشياء أخرى عديدة كان الناس فى ذلك الحين يتهافتون عليها نظراً لارتفاع أسعار كل السلع الحقيقية بسبب الانفتاح، أما الأمن الكسائى فقد حققه السادات بإنشاء منافذ بيع الملابس الصينية زهيدة الثمن عديمة القيمة فى فروع شركة صيدناوى بالجامعات والأقاليم، وأقبل المصريون على شراء هذه الملابس رغم أنها ذات مقاسات لا تناسبهم لأن معظمها يتناسب فقط مع الشعب الصينى ذى القامة القصيرة، وفى مجال الأمن أو التأمين الصحى كان المواطن يذهب إلى المستشفى المجانى وهو يصارع الموت فيصرف له الطبيب أو التومرجى زجاجة من ماء الجير أو ما يعرف بـ«المزيج» ويطلب منه أن يرجها قبل الاستعمال، فإذا شربها المريض ومات يقال فى أسباب الوفاة إن الأعمار بيد الله، وإن السبب العلمى الإكلينيكى للوفاة هو جهل المريض الذى لم يرج الزجاجة جيداً قبل الشروع فى تناول محتويات المزيج.
قبل غروب شمس يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر يناير 2011 شهدت مصر مولد نوع جديد من الأمن، ففى ذلك اليوم توقفت الشرطة عن مواجهة المظاهرات الحاشدة فى شتى المحافظات، وانسحب رجالها من الميادين، وهرب عدد كبير من المساجين وطفق بعضهم يسرق ما يقع تحت يده من الممتلكات العامة والخاصة، وفى رد فعل فورى ظهرت فى البلاد مجموعات مسلحة من المواطنين تتولى حراسة الشوارع والمساكن تحت اسم «اللجان الشعبية»، وتضاعف عدد هذه اللجان فى الأيام التالية وصارت تتولى تفتيش السيارات والمارة، وأمعن بعضها فى أداء المهام الأمنية على شاكلة رجال الشرطة حيث تولى كبارهم -بالاتفاق- رئاسة الأكمنة، وصارت الرتب الأقل تتولى تسلم الرخص والبطاقات وعرضها على الكبير الذى كان فى كثير من الأحيان يجهل القراءة والكتابة ويكتفى بنظرة شاملة على هذه المستندات ثم يعيدها لأصحابها فيسمح لهم بالمرور! وبعد عدة أيام من ظهور اللجان الشعبية صار كثير من أعضائها يستخدمون نظارات سوداء شبيهة بما يستخدمه السادة ضباط الشرطة، كما استخدمت بعض هذه اللجان عدداً من الكلاب الضالة بدلاً من الكلاب البوليسية، وكان أفراد الكمين الشعبى يكلفون الكلب الضال بفحص السيارات قبل السماح لها بالمرور!!
وفى أعقاب أحداث يناير اتسعت إلى حد كبير دائرة حراسة الوطن، فقد بدأ الناس وأصحاب المحال التجارية وأى ممتلكات أخرى فى الاستعانة بالبلطجية وشركات الأمن الخاص فى حراسة ممتلكاتهم، وعلى الرغم من أن المواطن نفسه يجب أن يكون أحد حراس الوطن مهما كانت صفته أو مهنته، فإن قطاعاً من المصريين ارتكب جرائم البلطجة والسرقة والقتل والتعذيب وتدمير منشآت عامة وخاصة فضلاً عن الإرهاب الذى مارسه الإسلاميون وغيرهم ضد الدولة والشعب ووصل إلى آفاق غير مسبوقة فى أحداث رابعة وكرداسة وغيرهما بعد طرد عصابة الإخوان من السلطة.
حراس الوطن على المستويين الإدارى والنيابى يجتهد معظمهم فى مجال تشجيع الاستثمار، بعضهم شرفاء يكتفون باستثمار الامتيازات المادية والمعنوية التى توفرها لهم الدولة رسمياً أو عرفياً، وبعضهم الآخر يتعاملون مع المنصب القيادى أو البرلمانى على طريقة «الحق خد لك قالب» ويحصل كل منهم على أقصى قدر ممكن من المكاسب عن طريق الرشاوى والنفحات والإكراميات والابتزاز وسائر ألوان وطرق الفساد، ويتمتع حراس الوطن الفاسدون فى مصر بمهارات عجيبة فى المسألة الازدواجية، تجدهم أكثر خلق الله حديثاً عن طهارة اليد ومكارم الأخلاق، ثم تفاجأ بهم متلبسين بسرقات ورشاوى تصل إلى حد رحلات الحج والعمرة على نفقة الراشى!!
الجانب الكوميدى فى قضية الحراسة يكمن فى المقارنة بين ما يحصل عليه الحارس الأول دستورياً والحارس الأول كروياً فى مصر وغيرها من بلدان العالم، فالحارس الأول المسئول عن كل شىء فى البلاد هو من يشغل منصب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء فى النظام البرلمانى، أما الحارس الأول كروياً فهو حارس المرمى الأساسى فى فريق كرة القدم الوطنى الذى يمثل الدولة، والأرقام تقول إن حارس المرمى يحصل فى الموسم الواحد على أضعاف دخل رئيس الجمهورية طوال مدة ولايتيه الأولى والثانية، ثم إن أحداً لن يتهم عصام الحضرى أو الشناوى بالمسئولية عن وحشية الأسعار وأنيميا الأجور.
منذ أكثر من خمسة وعشرين قرناً قال أحد حكماء اليونان إن الدول لا تحرسها القلاع والحصون والجيوش، ولكن فضيلة وأخلاق وشجاعة شعوبها، ولو عاش هذا الحكيم فى عصرنا هذا لقال إن الشعب المصرى هو العدو الأول للقطر المصرى، وإن مصر ليست مستهدفة من أعدائها بقدر ما هى ضحية لأبنائها.