لم تكن «أسماء» مجرد بطلة لفيلم مصرى، كانت «ضحية» من دم ولحم، قرر المجتمع أن يلعنها ويعتبرها «مجرمة» رغم أنها لم تكن «عاهرة ولا مدمنة»، بل كانت «مريضة» تعانى آلامها فى صمت، وتتقبل نظرات الهلع لأنها تحمل فيروس نقص المناعة (HIV- الإيدز)!
«أسماء» كانت عنواناً لفيلم مصرى، أبكانا الفيلم دون أن يحرك ضمائرنا، وأوجعنا لكنه لم يحرضنا على «فعل ما»، كانت «أسماء» زوجة لسجين سابق نقل إليها العدوى -بمعاشرة إرادية- ورحل. وحين اضطرت لإجراء عملية جراحية، اكتشفت أن الوسط الطبى لا يعترف بالمتعايشين مع الإيدز ولا يعرف كيف يتعامل معهم!
من هذه الزاوية رأيت مريض قسم العظام الذى أجرى عملية جراحية فى مستشفى الطوارئ، التابع لجامعة المنصورة، دون أن يعلم أنه مصاب بـ«الإيدز»، أو دون أن ينتبه الأطباء إلى تحاليل الفيروسات الخاصة به، التى تؤكد إصابته بالفيروس (قطعاً قمة الذكاء والاهتمام)، وبعد إجراء الجراحة أصيبوا بالذعر، وأبلغوا مدير أمن الدقهلية، وأصبحت القضية «قانونية»، وليست طبية ولا إنسانية، لأنهم فى حالة هلع من انتقال الفيروس اللعين إليهم!
هل يعلم هؤلاء الأطباء الجهابذة أن عدد المصابين التراكمى من عام 1986 حتى نوفمبر من عام 2017 فى مصر، 10 آلاف و550 مصاباً، بنسبة 0.01% من المصابين بالفيروس عالمياً، طبقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، وأن عدد المتعايشين مع المرض فى مصر 8 آلاف و564 مصاباً طبقاً لإحصائيات 2017، بينهم 82% من الرجال، و18% من السيدات، وأن 75% من المصابين بين 15 و50 عاماً؟
أكثر من 8 آلاف متعايش مع الإيدز يموتون فى صمت، ليس من حق أحدهم أن يشكو، أو يلجأ للطب لإجراء «جراحة ما»، لأنه تحول إلى «لعنة» يهرب منها الأطباء، وبالتالى انتشرت دكاكين علاج الإيدز بالقرآن والأعشاب والثوم وقرص النحل... إلخ. تحول «البشر» إلى تجارة رابحة فى سوق الموت كالعادة!
فى أبريل 2014 خصصت إحدى الجرائد المستقلة ملفاً خاصاً، يفضح «الفساد» فى توظيف منحة قيمتها 10 ملايين و238 ألف دولار، لبرنامج مدته خمس سنوات، حصلت عليها مصر من الصندوق الدولى لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.. وقد كتبت -آنذاك- مقالاً بعنوان «الفساد إيدز المجتمع».
الكارثة فى هذا الملف (الذى أظنه ازداد فساداً) كانت فى تداول أدوية منتهية الصلاحية، وعدم وجود كوادر مدربة لاستخدام أجهزة التحاليل، والتعتيم على تحاليلهم وفحوصاتهم، حتى شهادة الوفاة لا يُكتب فيها السبب، بالإضافة إلى توقف عملية علاج المصابين فى السجون بالإيدز، (أكثر الأماكن لنشر الفيروس لتكدس الأعداد)، مما ترتب عليه سحب الجهة المانحة باقى التمويل، والدفع بالمتعايشين مع المرض إلى العلاج بأنفسهم من الأمراض الأخرى، مما يترتب عليه ازدياد أعداد المصابين، ولم يعلن ما الذى حدث بعد ذلك!
الكارثة أننا نعرف جيداً «البؤر» التى ينتشر منها الفيروس، لكننا نكتفى بالتصريحات الوردية ولا نكافحها، نعرف أماكن الإدمان وطرق التعاطى، وأحوال السجون وأقسام الشرطة، ونعلم جيداً أن لدينا الآلاف من الأبرياء الذين تورطوا فى مشاجرة أو تعثروا فى دفع «شيك»، فتم الزج بهم فى الظلام، حيث كل شىء مباح بـ«قانون البلطجة»!.
الأطباء، الذين اشتبكوا مع إدارة المستشفى خوفاً على حياتهم، لا يرون فى مريض الإيدز إلا «وصمة عار»، رغم أنه قد يكون أصيب بالفيروس من «نقل دم»!
لقد اكتفوا بأن ألبسوا «الضحية» ثوب «المجرم»، وأخذوا يفتشون عن احتمالات «نقل العدوى»، وهى كارثة لا تعرف الدولة كيف تتعامل معها!