الحدث الجهادى المتطرف الثانى الذى واجه جمهورية السادات كان بعد الحرب مباشرة، وكانت وراءه المرأة الشرسة الإخوانية (زينب الغزالى) الذى يميل طبعها إلى العنف وسفك الدماء، والتى ظلت تبحث عن (سيد قطب) آخر ينظر للقتل وتكفير المجتمع حتى وجدت ضالتها فى الإخوانى الفلسطينى (صالح سرية) الذى ارتبط اسمه بحادثة (الكلية الفنية العسكرية عام ٧٤)، فلم تدخر وسعاً وقامت بالتعرف عليه ومساعدته، وكان ذلك عندما وصل «سرية» إلى القاهرة لشغل وظيفة رفيعة فى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسوا) كخبير تربوى وسكرتير أول فى إدارة التربية، لم يضيع «سرية» الفرصة واتجه مباشرة إلى منزل زينب الغزالى التى كان قد تعرف عليها فى زيارة سابقة إلى القاهرة عن طريق طليقها (حافظ التيجانى) ونزل ضيفاً عليها هو وأسرته المكونة من زوجته وتسعة أولاد. ولعبت «الغزالى» دوراً أساسياً فى تقديمه إلى المرشد العام المستشار (حسن الهضيبى) وعرفته بمجموعة من الشباب الجدد الذين يتبناهم تنظيم الإخوان وهم قيادات حركة الجهاد الإسلامى المصرى ومنهم طلال الأنصارى وإسماعيل طنطاوى ويحيى هاشم. وأفضت «زينب» لـ«سرية» بأن جماعة الإخوان غير راغبة الآن فى المواجهة مع نظام السادات لأنه خرج لتوه من حرب حقق فيها الانتصار والشعب والجيش وكل مؤسسات الدولة تلتف حوله وأن الجماعة تريد أن تنأى بنفسها فى هذا الوقت عن الصدام الشعبى ولذا فإن الجماعة تتبنى شباباً جدداً لديهم الفكر الجهادى المتأجج من هذه الحرب مع اليهود، وقد سارع الإخوان بمساعدتهم ومدهم بالسلاح قبل أن يثبط هذا الجهاد لديهم وأن الجماعة تفعل هذا وهى فى الظل ومن وراء الستار، تلقف «سرية» كلام «زينب» خاصة أنه لتوه كان قد غادر منظمة فتح التى كان يرأسها ياسر عرفات لأنه يرى أن ظروف الحركة لم تعد مواتية للظرف السياسى العربى حيث كان سرية قد بدأ حياته بعثياً وقد ولد فى إحدى قرى حيفا ولجأ مع أفراد عائلته عام ٤٨ للعراق والتحق بكلية التربية هناك ثم حصل على دراسات عليا وتزوج من العراقية بشرى النعيمى عام ٥٦ وأنجبت له ست بنات وثلاثة ذكور وتلقى علوم الشريعة على يد السلفى عبدالكريم الصاعقة ومحمد الصواف وانخرط فى العمل العسكرى فى صفوف الثورة الفلسطينية مؤسساً مع رفاقه (جبهة تحرير فلسطين) عام ٥٩، التى انضمت فيما بعد إلى حركة فتح وحافظ على علاقات وثيقة مع ياسر عرفات، ثم انضم إلى الإخوان المسلمين فى العراق وكان (سرية) قائداً لجناحها العسكرى وضابطاً برتبة نقيب فى فوج التحرير الفلسطينى الذى شكله الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم عام ٦١، الذى أصبح نواة لواء القادسية التابع لجيش التحرير الفلسطينى. وباعتبار (سرية) عضواً فى المجلس الوطنى الفلسطينى حضر اجتماعات القاهرة عام ٦٨ بعد تورط التيار الإسلامى فى اغتيال أحمد حسن البكر ونجاة نائبه صدام حسين، وهنا تمت ملاحقة «سرية» فهرب إلى سوريا وحاول الوصول إلى إخوان السعودية إلا أن السلطات هناك رفضته فعاد إلى القاهرة عام ٧١ لنيل درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس والالتحاق بالوظيفة سالفة الذكر، وفى أثناء وجوده بالقاهرة قامت زينب الغزالى بمساعدته وإيوائه هو وأسرته وجهزته لعمل جهادى كبير بعد أن أثبتت له أن الإخوان غير مستعدين لمواجهة نظام السادات وعقدت له مقابلات لإثبات ذلك مع الشيخ محمد الغزالى وسيد سابق، بعد ذلك طلبت «زينب» من «سرية» تنظيماً مستقلاً يهدف للخروج على السادات واتفقت معه على أنه إذا نجح فى تكوين تنظيم الفنية العسكرية، الذى كان بدوره قد خطط له وعرضه عليها من أجل التمويل، فأكدت له أنه إذا نجحت حركته تلك سيتم الإعلان بأن هذا العمل ضمن تحرك كبير للإخوان المسلمين للقضاء على نظام السادات ويقومون بصنع انقلاب ناجح ويسيطرون بذلك على الحكم أما إذا فشلت المحاولة فسينكرها الإخوان ويقولون إنها محاولة فاشلة من شباب متحمس غير مسئول ويتحملون هم نتيجة فعلهم وحدهم.. وقد جمعت حركة الفنية العسكرية قادة المجموعات الشبابية التى قامت بتجهيزهم زينب الغزالى من الجماعات الجهادية التى شكلتها وقام الإخوان بتمويلها فكان منهم السلفى إسماعيل طنطاوى، ومنهم من كان يرفض فكرة الانقلاب العسكرى ويدعو إلى حرب عصابات طويلة الأجل مثل يحيى هاشم وهو وكيل نيابة بدأ نشاطه السياسى عام ٦٨ بقيادة مظاهرة من مسجد الحسين بسبب هزيمة يونيو، لكن لماذا اختارت «زينب» «سرية» دون الآخرين لقيادة هذه الحركة الجهادية، لقد وجدت فيه مواصفات مُنظرها الأول (قطب)، ففِكر «سرية» وضعه فى وثيقة أطلق عليها (رسالة الإيمان) قام فيها بتلخيص أهم الأفكار المتعلقة بالجوانب السياسية وأن الجهاد هو الطريق لإقامة الدولة الإسلامية والحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره (دار حرب) لكل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام وأن ترك أىّ ركن من أركان الإسلام فهو كفر، إلا أن «زينب» راعت فى اختيارها هذه المرة النواقص التى كانت لدى «قطب» فحرصت على أن يكون مُنظر العنف الجديد متمتعاً بكاريزما ومؤثراً فى محدثيه وهذا ما ذكره المتهم الثالث فى حادث الفنية العسكرية طلال الأنصارى الذى يصف «سرية» فى مذكراته بأنه «كان شخصية كاريزمية لا يملك مَن يقابله فكاكاً من أن ينبهر به فقدرته فائقة على الإقناع ولديه قدرة على صياغة أعقد القضايا وعرضها فى كلمات بسيطة وموجزة».
ويبقى كيف تم إحباط حادث الفنية العسكرية والقبض على خلية صالح سرية وشهادة اللواء فؤاد نصار، مدير المخابرات العسكرية وقتذاك، التى خصنى بها.