الشرقية.. تمثالا «عرابى ومحمد على» محاصران بالباعة الجائلين منذ «25 يناير»
تمثال الزعيم أحمد عرابى وسط الباعة الجائلين وسيارات الأجرة فى الزقازيق
باعة جائلون ينتشرون فى أرجاء الميدان، مواقف السيارات احتلت الشوارع الرئيسية، صور متعددة لمظاهر الإهمال التى تضرب ميدان «أحمد عرابى»، وسط مدينة الزقازيق بالشرقية أمام محطة السكك الحديدية، الذى طال تمثال زعيم الثورة العرابية، حتى أصبح فى حالة يرثى لها، دون أن تمتد إليه يد العون من جانب المسئولين بمحافظة الشرقية، لإنقاذه من المعاناة التى يتعرض لها منذ سنوات، وتفاقمت حدتها بعد أحداث «ثورة 25 يناير» من عام 2011.
ويُعد تمثال «أحمد عرابى»، الذى وقف فى وجه «الخديو توفيق»، قبل نحو 136 سنة، ليقود أول ثورة شعبية ضد الظلم والاستبداد فى التاريخ الحديث، أشهر تماثيل الشخصيات التاريخية فى محافظة الشرقية، تم وضعه فى أكبر ميادين مدينة الزقازيق، تخليداً لذكرى الزعيم الذى شكلت ثورته وقيادته المقاومة ضد المحتل الإنجليزى علامة فارقة فى تاريخ مصر، إلا أن الميدان تحول بمرور الأيام والسنين، إلى أكبر سوق عشوائية بالمدينة.
وبمجرد أن تطأ قدم أى شخص ميدان «عرابى»، يجد نفسه محاصراً وسط عدد هائل من الباعة الجائلين، ومواقف سيارات الأجرة «السيرفيس»، لا يفكر فى أن يلقى نظرة على تمثال الزعيم ممتطياً صهوة جواده ومشهراً سيفه، وإنما كل ما يشغله أن يجد لنفسه مخرجاً آمناً بعيداً عن الزحام، ليجد نفسه يتلوى ويسير فى خطوات متعرجة بين السيارات والباعة، وبمجرد أن يبتعد عن المكان قليلاً، يبدأ فى التقاط أنفاسه متنفساً الصعداء.
سائقو «السيرفيس» يحتلون الميدان.. وموظف: المواطنون يجهلون شخصية والى مصر.. و«سمير»: تعددت حملات الإزالة والفشل واحد
«منذ سنوات طويلة، تم وضع تمثال للزعيم أحمد عرابى بوسط مدينة الزقازيق، يمتطى حصانه ويشهر سيفه، وقتها كان محاطاً بالخضرة والأشجار، فى مشهد كان يسر الناظرين، رمزاً للعزة والكرامة»، بتلك الكلمات بدأ خالد حسن رمضان، أحد الأهالى المدينة، كلامه، ويمتلك محلاً تجارياً فى شارع «البوستة»، المطل على ميدان «عرابى»: «مع مضى السنوات بدأت تتدهور حالة المكان تدريجياً، وانتشر به الباعة الجائلون، خاصة بعد ثورة 25 يناير، ولم نشاهد طوال السنوات الماضية أياً من العمال يقوم بتنظيف التمثال، أو الاعتناء به، كما انتشرت سيارات الأجرة فى محيط التمثال، حتى اختفى تماماً عن المارة»، مشيراً إلى أنه فى السابق، كان العديد من أبناء المحافظة يقصدون منطقة التمثال، خاصة فى حفلات الخطوبة والزفاف، لالتقاط الصور التذكارية، حيث كان المكان يتميز بالجمال والرقى، أما الآن فأصبح المشهد مشوهاً يخلو من أى مظاهر جمالية.
«سمير السيد»، أحد السكان، أضاف أنه «رغم تعدد حملات إزالة الإشغالات، فإنها فشلت فى إبعاد الباعة، الذين سرعان ما يعودون بعد ساعات قليلة من انتهاء الحملة»، مشيراً إلى أن محافظ الشرقية الأسبق أجرى إعادة تخطيط للميدان، فانحصر التمثال فى مكان صغير جداً، بينما استخدم الميدان كموقف لسيارات الأجرة وميكروباصات السرفيس، حتى المكان الموجود به التمثال يخلو من أى زراعات أو أى مظهر جمالى، وتحولت الأرض أسفله إلى أرض جدباء، تملؤها القمامة التى يلقيها المارة والباعة الجائلون، وكأن التاريخ لا قيمة له»، كما أشار إلى أنه منذ عدة أيام، فوجئ الأهالى بقيام عدد من الموظفين بعمل كردون حول التمثال، وأفادوا بأنه سيتم عمل نفق فى الميدان، لربط مناطق شرق السكة الحديد مع غرب المدينة، دون التطرق إلى وضع تمثال «عرابى»، واختتم بقوله: «مش عارفين العمل هينتهى إمتى، ولا النتيجة هتكون إيه، كل فترة بيعملوا تطويرات وإعادة تخطيط، ويهدموا اللى عملوه ويرجعوا يطوروا تانى».
وبينما خلد «أحمد عرابى»، ابن قرية «هرية رزنة»، اسمه فى التاريخ كقائد عسكرى وزعيم شعبى، وفى ذاكرة أبناء مصر منذ أن كانوا أطفالاً فى المدارس الابتدائية، رمزاً لمقاومة الظلم والطغيان، يقف تمثاله وسط مدينة الزقازيق شاهداً على الإهمال وتدهور القيم وفقدان التراث.
ويتكرر نفس المشهد فى مدينة الزقازيق أيضاً، حيث يعانى تمثال «محمد على باشا»، مؤسس مصر الحديثة، فى ميدان «القناطر التسعة»، من الإهمال والتجاهل، حتى إن عدداً كبيراً من أهالى المنطقة يجهلون شخصية صاحب التمثال، بعد أن طمسته الأتربة، وكادت حروف اسمه تختفى تماماً.
موظف فى هيئة الآثار بالشرقية، طلب من «الوطن» عدم نشر اسمه، قال إن تمثال «محمد على باشا» تم وضعه فى منطقة «القناطر التسعة» تخليداً لذكرى والى مصر، الذى أسس حضارة تقوم على التنمية الزراعية والاقتصادية، مشيراً إلى أن إنشاء مدينة الزقازيق يرجع إلى عهد ذلك الحاكم، عندما أمر بإنشاء «قناطر التسعة» على «بحر مويس»، لتخزين المياه بغرض استخدامها فى رى الأراضى الزراعية، وأضاف أن إنشاء القناطر تزامن مع تشييد مسجد يحمل أيضاً اسم «محمد على باشا»، ولكن بمرور الأيام تغير اسمه إلى «الجامع الكبير»، ويقع عند مدخل ميدان «القيثارية»، بالقرب من «القناطر التسعة»، مشيراً إلى أنه تم بناء المسجد بنفس نوعية الحجارة المستخدمة فى بناء القناطر، وبعدها بدأ العمران يمتد إلى المنطقة، كما نشطت حركة التجارة بها، بعد إنشاء عدد من المحال التجارية، لخدمة العاملين فى بناء القناطر.
وأكد أنه رغم الأهمية التاريخية والأثرية للمسجد، فإن الإهمال طاله أيضاً، مثلما طال تمثال «محمد على باشا»، حيث أصبحا محاصرين بالباعة الجائلين، وسيارات الأجرة، ومركبات «التوك توك»، ووصل الأمر إلى حد قيام بعض أصحاب محلات الأحذية بتعليق معروضاتهم على جدران المسجد، من ناحية مصلى السيدات، ولم يشهد المسجد أى أعمال صيانة أو تطوير لما يقرب من 10 سنوات.
محافظ الشرقية، اللواء خالد سعيد، أعاد الأمل لأهالى المحافظة، عندما أعلن عن خطة لتطوير وتجميل ميدان «القناطر التسعة»، ضمن خطة المحافظة لإعادة الوجه الحضارى والجمالى لمدينة الزقازيق، كما أعلن عن إنشاء نفق بميدان «عرابى»، بتكلفة تصل إلى 100 مليون جنيه، لتخفيف حدة الزحام التى يشهدها الميدان، باعتباره محوراً مرورياً رئيسياً بالمدينة.