فى حوار مع صديق مثقف وإعلامى كبير، انتقد الصديق ذلك الاقتراح الذى تتم دراسته الآن فى جهاز التنظيم والإدارة بشأن تقليص عدد أيام العمل فى بعض الجهات الحكومية إلى أربعة أيام، مع زيادة عدد ساعات العمل، لتكافئ عدد الساعات الأساسى، وذلك دون المساس بأجور العاملين أو بالخدمات المقدمة للمواطن.
الاقتراح يشمل أن يتم العمل بنظام النوبتجيات بين الموظفين فى أيام أقل، مما سيوفر -بحسب الدراسات المقدمة مع الاقتراح- الكثير من التكلفة على الجهاز الإدارى للدولة، أولها أن العمل سيستمر لفترة أطول دون الحاجة لتكليف بعض الموظفين بنوبتجيات إضافية، وسيخفف من حدة الازدحام المرورى بشكل عام.
المشكلة التى أشار إليها الصديق -والتى أعتقد أنها غابت عن ذهن أصحاب الاقتراح- هى عدم إدراج أصحاب «الاقتصاد الطفيلى»، بحسب تعبيره، فى الدراسة.. ماذا سيكون مصيرهم، وكيف سيتأثرون بتقليص عدد أيام العمل؟!
لقد أعجبنى التعبير، فى بداية الأمر، دون أن أعرف من الذين يقصدهم بالضبط، ولكنه استدرك ليشرح لى ما جعلنى أنتبه إلى ما كنت غافلاً عنه بالفعل!
إنهم هؤلاء الذين يعتمد رزقهم بشكل أساسى على ذهاب الموظفين لعملهم بشكل يومى، أو بمعنى أكثر دقة الذين يعتمد عملهم على وجود الغير فى مكان محدد كل يوم بشكل منتظم، كسائق الميكروباص الذى ينقلهم لعملهم صباحاً، وموظفى اليومية المؤقتة الذين يدعونهم «بالسركى اليومى»، حتى صاحب عربة الفول الجائلة التى تتمركز أمام باب المصلحة الحكومية، والذى يبتاع منه الموظفون كل صباح إفطارهم.. وغيرهم كثيرون سيتأثرون بغياب الموظفين بعض أيام الأسبوع، بصرف النظر عن زيادة ساعات العمل!
ربما يسخر البعض من تلك الملاحظة البسيطة، وربما يهمل البعض الآخر وجود هؤلاء من الأساس، باعتبارهم عمالة غير حكومية، وبالتالى فالدولة غير مكلفة بوضع ضمانات لاستمرارهم فى عملهم اليومى الذى يتكسبون منه، ولكن الواقع أنهم مواطنون مصريون، ومسئولون من الحكومة بنفس درجة المسئولية عن موظفيها وعمالها المدرجين فى أوراقها.. شاء من شاء، وأبى من أبى!
المؤسف أن الحكومة تعمل على تطوير أدائها بشكل يمكن تثمينه بالفعل، وتعمل على تخفيض الإنفاق وترشيد الاستهلاك، بل تجتهد فى ذلك باقتراحات خارج الصندوق، مثل ذلك الاقتراح، وغيره من الإجراءات التى يتم الإعلان عنها تباعاً، وبشكل يمكن اعتباره سياسة جديدة جيدة من تلك الحكومة تحديداً.. بينما تعيش بيننا شريحة غير قليلة على الهامش تماماً، فلا يوجد أى حصر لهذه النوعية من العمالة، ولا يتم حساب دخلهم أو حتى محاسبتهم ضريبياً، ولا يتم التعامل مع وجودهم بشكل فعال أو بحسابات اقتصادية وسياسية يُفترض أن توجد!
أذكر أن محاولة على استحياء قد تمت منذ عام ويزيد من البنك المركزى لإدراج تلك الفئة فى النظام البنكى فيما عُرف بمبادرة «الشمول المالى»، ولكن لا أعتقد أن المحاولة قد أسفرت عما يمكن وصفه بالنجاح، بل ربما لم يعرف عن تلك المبادرة سوى موظفى البنوك أنفسهم فقط!!
إنهم يعيشون على هامش الدولة، فى عالم مواز غير مرصود، و لا يُحسب له حساب من الأساس!!
عالم يقوم على الانتفاع من وجود النظام القائم بكل سلبياته، وبشكل لا يمكن تشبيهه إلا بذلك التعبير.. «طفيلى»!!
ربما ينبغى على القائمين على النظام أن يرصدوا هؤلاء أولاً، وأن يقوموا بحصرهم وتقنين أوضاعهم، بل ينبغى أن يتم وضعهم فى الاعتبار عند دراسة اقتراح مثل هذا، وحساب معدلات تأثرهم، بل وقياس الضرر الواقع عليهم، فأصحاب «الاقتصاد الطفيلى» أكثر عدداً من أن يتم إهمالهم.. وأكثر خطورة من أن يتم تجاهلهم!!