فى مصر.. هل نحتاج إلى جرعات من الفرح والبهجة؟ هل يمكن أن يخفف ذلك من قسوة الغلاء وتوحّش الأسواق واستغلال عدد من التجار؟ لو تم ذلك هل سنشعر أفضل وأفضل بالإنجازات التى تتم ويتم التشويش عليها عمداً أو الشوشرة عليها بإجراءات أخرى؟ وهل لو موجودة هذه الجرعات ستخفف من أثر أى سلبيات أخرى كنوعية الجرائم المستجدة على مجتمعنا مثلاً؟!
مدخل آخر للموضوع.. ما سبب كل هذه الحوادث والجرائم؟ انسداد الرؤية وغياب الأمل؟ إن كان ذلك صحيحاً فما سببها عند القادرين غير المحتاجين؟ انظر سريعاً إلى الشارع المصرى.. مشاجرة فى كل إشارة مرور وفقدان أعصاب غير طبيعى من أصحاب سيارات فارهة لا يمكن أن يكون لديهم معاناة مع الأسعار.. وإن أردت فليس مهماً أن ترصد الحوادث أو المشاجرات، عليك فقط أن تنظر إلى وجوه الناس.. بؤس غير عادى وعبوس لا تفسير له!
كيف نخرج من ذلك؟ هل يمكن أصلاً أن نخرج من ذلك؟! الإجابة الفورية أنه يمكن جداً ولا نحتاج إلى ميزانيات أو أموال طائلة ولا نحتاج إلى إنفاق إضافى أو تبديل وتغيير فى موازنة الدولة، كل ما نحتاج هو الإرادة والتخطيط..واعتقادنا أن الإرادة متوفرة فلا توجد دولة فى العالم لا تريد لشعبها أن يكون سعيداً، ولا يتبقى إلا التخطيط ولهذا نتقدم ببعض الاقتراحات العاجلة، وقد يبدو أن كلاً منها قد لا يكون كافياً وحده، لكن الاقتراحات مجتمعة من المؤكد أنها تلعب دوراً.
الاتفاق غير المكتوب على تغيير خريطة البرامج ليس بالتليفزيون الوطنى وحده إنما أيضاً فى القنوات الخاصة، بحيث تزيد جرعة الأفلام الكوميدية والمسرحيات، وخصوصاً امتلاك كل قناة لرصيد هائل من التراث الفنى المصرى الذى يحتوى على حفلات ومنولوجات ونجوم النكتة، وفى الوقت نفسه يرفع من الخريطة أو يتم تخفيض مسلسلات وأفلام البؤس والحزن والدموع وليس فقط أفلام ومسلسلات العنف..وأن تعود سهرات الكوميديا مرة أخرى! أن تصدر التعليمات للفرق الموسيقية الحكومية التابعة لجهات رسمية بالانطلاق إلى الميادين وتقديم حفلات مفتوحة وعروض ليلية مجانية فى الحدائق العامة والميادين الكبرى، خصوصاً التى تحتوى على حدائق خضراء، مثل ميادين عابدين والتحرير والسيدة زينب وغيرها، وكذلك مناطق الكورنيش سواء النيل أو بالمدن الساحلية! يمكن جداً لمديريات الشباب بالمدن الساحلية أن تنظم استقبالات رمزية للمصطافين بالشواطئ التى بهذه المدن والمحافظات، ورود تكفى.. ألعاب للأطفال تكفى جداً.. الابتسامة وحدها والترحيب يكفى أيضاً.. لا ينبغى الاستهانة بشىء من ذلك، فما بالك إذا اجتمع كله أو بعضه؟!
أن تنظم وزارة الشباب مهرجانات اليوم الواحد بمراكز الشباب، وأن تعود مسابقات المعلومات العامة والألعاب الرياضية الخفيفة، بل ودورى سريع وقصير لفرق كرة قدم سداسية، وأن ينتهى اليوم بتفريغ الطاقات وعودة الكثيرين بهدايا وجوائز رمزية والأهم العودة بذكريات جميلة!
أن يتم اختيار موضوعات خطب الجمعة، بحيث تمنح موضوعاتها الأمل للكثيرين وتفتح لهم أبواب الرحمة، وتعطى المرضى مثلاً تعويضاً معنوياً هائلاً بأن معاناتهم وهذا حقيقى لها أجرها عند الله.. وأن نبتعد قليلاً عن مواعظ الترهيب والمصير الحتمى فى نار جهنم، وأن نعتمد على آيات المحبة وروايات السيرة النبوية التى تحمل روح البهجة والأمل.. وهى كثيرة جداً! لو استطاعت وزارة السياحة ترتيب وتنسيق رحلات ولو لليوم الواحد لسكان الأحياء الشعبية يذهبون صباحاً إلى أى مدينة ساحلية والعودة مساءً، بما يشعر هؤلاء أنهم فى مصر كغيرهم، لهم نصيب من زيارة شواطئ بلادهم.. أن تكون التكلفة رمزية أو يتكفل أغنياء مراكز الشباب بسفر غير القادرين أو تحمّل جزء من التكلفة، أو تتقدم شركات السياحة بسيارات شركاتهم لدعم الفكرة، وإن حدث ذلك سيكون الباقى متاحاً وسهلاً جداً! ولنا أن نتخيل آلاف الأسر عائدة من السواحل والشواطئ بتكلفة بسيطة ورمزية..التنظيم مع مديريات ومراكز الشباب ممكن جداً! نعتقد أن قيام المدارس المصرية بدعوة تلاميذها لقضاء ساعات من الأيام المفتوحة أو حفلات استقبال العام المدرسى، وفى هذه وفى تلك يتم إجراء مسابقات المعلومات العامة والذكاء والتنافس الرياضى بجميع الألعاب حتى الشطرنج، ولن يذهب التلاميذ بمفردهم إنما معهم أسرهم وسيعود الجميع بعد قضاء يوم جميل!
كل ما سبق إن تم فى غياب الانضباط والقانون من الشارع المصرى سيكون أثره أقل بكثير.. ولذلك نأمل أن تجد شكاوى الناس مع الغش التجارى والبلطجة واستغلال سائقى الأجرة تدخلاً فورياً من الأجهزة المختصة!
هل ما سبق مستحيل؟!
بساطته أجمل ما فيه، وتنفيذه غير مكلف إلا فى حدود ممكنة ومسموحة ومقبولة، وأيضاً موزعة على آلاف المؤسسات والهيئات بما يمكن قبولها وتحمّلها.. غاندى يرى أن السعادة تتوقف على «ما تستطيع إعطاءه لا على ما تستطيع الحصول عليه»، بينما يراها إبراهام لنكولن: «لقد وجدت أن نصيب الإنسان من السعادة يتوقف غالباً على رغبته الصادقة فى أن يكون سعيداً»، وفى علم النفس إنها «الشعور بالسرور والرضا عن حياتك»، أو «فى حياتك»، وتعرف البهجة بأنها ««الاستجابة العاطفية لملاحظة أو ذكرى ممتعة ويكون السبب وراء الاستجابة المبهجة عادة هو تلبية توقع ما أو حاجة محددة، ويعبر عن البهجة عادة بابتسامة أو ضحكة أو بالهتاف فرحاً»، ويقول الأديب العالمى تولستوى: «إننا نبحث عن السعادة غالباً وهى قريبة منا، كما نبحث فى كثير من الأحيان عن النظارة وهى فوق عيوننا!»، وإن كنا نؤمن أن السعادة هى «الابتسامة والفرحة التى نراها فى عيون الآخرين بسبب وقوفنا معهم أو دعمنا لهم بأى وسيلة ممكنة»، لذا وباختصار فعلينا ألا نبقى دائماً فى حالة حديث عن السعادة والبهجة.. أو البحث عنهما.. إذ إن أمامنا حلاً أسهل من ذلك بكثير.. أن نصنعها معاً!