مرت أربع سنوات تقريباً على دعوة الرئيس السيسى لضرورة تجديد الخطاب الدينى، وليسمح لى رئيس الجمهورية بأن أخالفه الرأى فى مطالبته الأزهر وحده بالقيام بتلك المهمة، صحيح -حتى لا يتهمنى أحد بالجهل أو الغفلة- أن الدستور نص فى مادته السابعة على «أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره، بالقيام على جميع شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية، والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل، غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء» وهنا نلاحظ أن الدستور أشار إلى أن الأزهر هو المرجع الأساسى -وليس الوحيد- فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية.
كنت -وما زلت- أنتظر من الرئيس السيسى أن يطالب الحكومة بكاملها ببحث مسألة تجديد الخطاب الدينى، وهى لن تتحرك كغيرها من الحكومات فى هذا الاتجاه إلا بتوجيه رئاسى هو بمثابة دعم لها فى مواجهة مقاومة بعض الجماعات المتطرفة وبعض رجال الدين من داخل الأزهر وخارجه لفكرة تجديد الخطاب الدينى، وأمام غياب التوجيه الرئاسى، كان لافتاً غياب أى إشارة لتجديد الخطاب الدينى فى برنامج الحكومة الذى عرضه رئيس الوزراء مصطفى مدبولى أمام مجلس النواب، وهى ملاحظة لم يشر إليها أحد من نواب البرلمان إلا سيد عبدالعال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع.
رهان الرئيس على دور الأزهر فى إنجاز المهمة قد يكون مبرراً لعدة أسباب من بينها ما أسلفناه حول نص الدستور، وعلى اعتبار أنه الأكبر والأكثر عراقة وهو المرجعية للمسلمين السنة فى العالم كله، لكن الواقع العملى يشير إلى أن ذلك الرهان قد لا يكون صائباً تماماً لأسباب أكثر من تلك التى بسببها طالب الرئيس الأزهر للقيام بالمهمة، من بينها تأثر الأزهر نفسه بالمناخ المتطرف الذى فرض نفسه بداية من سبعينيات القرن العشرين حتى قيام ثورة 30 يونية على حكم الإخوان عام 2013، وهو ما أسفر عن وجود أصوات أزهرية تعارض تجديد الخطاب الدينى، وكذلك وجود متشددين داخل جامعة الأزهر نفسها، ويجب أن نعترف بذلك، كما اعترف به من قبل وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة عندما قال ذات مرة عقب اجتماع له مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر «هؤلاء معروفون جميعهم بأسمائهم ومواقفهم، وينبغى التعامل معهم بكل شجاعة وحسم»، وطالب وزير الأوقاف بضرورة إقصاء هؤلاء من المواقع القيادية بجامعة الأزهر.
ومن ضمن أسباب عدم حماسى لرهان الرئيس على الأزهر وحده هو أن الأزهر يحاول دائماً الحفاظ على استقلاله قدر الإمكان فى مواجهة السلطة الحاكمة، ولذلك لا يريد أن يبدو وكأنه يجدد الخطاب الدينى استجابة لرغبة القيادة السياسية، وهناك سبب آخر وهو محاولة تفادى اتهام الجماعات المتطرفة، ومن بينها جماعة الإخوان الإرهابية، للأزهر: بالانصياع للسلطة والانضواء تحت لواء رغباتها.
هذا عن علاقة الأزهر بتجديد الخطاب الدينى، أما عن دور الحكومة ومؤسساتها فهو محور مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله.