هل يدفع دونالد ترامب ثمن عدائه للإعلام؟. يعيش ساكن البيت الأبيض هذه الأيام ساعات عصيبة، فحبل العزل من المنصب أو تقديم استقالة من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يضيق حول رقبته. يومياً هناك أخبار جديدة فى هذه القضية، معلومات تكشف عن تدخل «الصديق الروسى» لصالح «ترامب» فى الانتخابات، وأحاديث عن فضائح جنسية غير مسبوقة بالنسبة لرئيس أمريكى، ورشاوى تم تقديمها لممثلات أفلام إباحية حتى يسكتن عن التعريض بسمعة «ترامب» خلال الانتخابات، ناهيك عن تورط صهره وزوج ابنته «كوشنر» فى تسريب معلومات على درجة معتبرة من السرية إلى منطقة الخليج. فى كل يوم تتدفق مئات الأوراق إلى لجنة «مولر» المكلفة بالتحقيق فى قضية «انتخابات 2016» لتتكدس إلى جوار أخواتها، وتتكامل فيما بينها من أجل التعجيل بحدث لو وقع سيمثل حدثاً عالمياً تاريخياً مدوياً، بخروج «ترامب» من البيت الأبيض.
الإعلام الأمريكى لم يعد له شغلة ولا مشغلة غير فضائح «ترامب». ذلك الإعلام الذى استخف الرئيس الأمريكى بأغلب وسائله منذ وصوله إلى البيت الأبيض. فى الكثير من المناسبات كان «ترامب» يرفض الإجابة عن أسئلة واحدة من أشهر القنوات الإخبارية الأمريكية، وهى قناة «سى إن إن»، متهماً إياها بالكذب والإغراض. لم يجاوز الرجل الحقيقة وهو يردد هذه الكلمات، لكنه قال قسماً منها ونسى أن يذكر القسم الثانى الذى يقول إن القنوات المساندة له تعتمد هى الأخرى على معادلة «الكذب والإغراض». فأية وسيلة إعلامية أمريكية تعمل فى خدمة مصالح سياسية واقتصادية محددة. المنظومة الإعلامية الأمريكية برمتها تحركها مجموعات مصالح، بعضها يعمل فى خدمة ساكن البيت الأبيض ومؤسسات الحكم، وبعضها يريد الإطاحة به وبالمسئولين عن هذه المؤسسات لأن مصالحها تقضى بأن يحل آخرون محلهم.
إذا وقعت الواقعة وخرج «ترامب» من البيت الأبيض فلن يكون أول رئيس أمريكى يحدث له ذلك، فقد سبقه إلى الخروج ريتشارد نيكسون عام 1974 فى فضيحة ووترجيت، التى يعود الفضل فى الكشف عنها إلى صحفيين من جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية، بعدها تشكلت لجنة للتحقيق فى وقائع الفضيحة أثبتت تورط «نيكسون» فى التجسس على مكاتب منافسه الديمقراطى بمبنى ووترجيت فى انتخابات عام 1972. وانتهت الفضيحة باستقالة «نيكسون» ليكمل نائبه جيرالد فورد المدة المتبقية من فترة حكمه.
فى الحالتين مثل الإعلام «مقصلة» لجز أعناق الرؤساء. وفى تقديرى أن الوضع بالنسبة لـ«ترامب» أصعب، فـ«نيكسون» لم يدخل فى تحدٍ مع الإعلام كذلك الذى دخل فيه «ترامب». فقد صور الغرور للأخير أنه أقوى من الجميع وأقدر على فرض إرادته على الجميع بما فى ذلك الآلة الجهنمية المسماة بـ«الإعلام الأمريكى»، فكانت النتيجة أن تربص به الإعلام، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من النجاح فى الإطاحة به. أدى «ترامب» مع الإعلام الأمريكى وكأنه واحد من رؤساء العالم الثالث، يريد للأصوات أن تغرد باسمه وللأقلام أن تسبح بحمده، وإلا أخرس الجميع وقصف أقلامهم. والعجيب أنه «لما اتزنق» لجأ إلى ذات الخطاب الذى اعتمده بعض زعماء العالم الثالث أمام شعوبهم الثائرة، فخير الشعب الأمريكى بين استمراره، رغم فضائحه، أو الوقوع فى براثن الفقر والانهيار المالى.. إنه «عجيبة» من «عجايب» دنيا الغرب.