فى المؤتمر الصحفى لوزير الداخلية يوم السبت الماضى الذى شرح فيه جهود محاربة الأعمال الإرهابية لجماعة الإخوان وحلفائها، أشار عدة مرات إلى ارتباطات عضوية بين تنظيم الإخوان الدولى وعدد من الجماعات المتطرفة والإرهابية المرتبطة بالقاعدة والعاملة فى كل من غزة وليبيا وسوريا، وكذلك اكتشاف بؤر إرهابية ذات صلات تمويلية وتسليحية وتدريبية مع جماعات متطرفة عابرة للحدود. وفى نصوص التسجيلات التى تم رصدها للرئيس المعزول توجد محادثة هاتفية مع محمد الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة أفادت بالاتفاق بين الطرفين على تسهيل الرئيس المعزول للتنظيمات القاعدية حرية العمل فى سيناء على أن تمتنع القاعدة عن إثارة المشكلات الأمنية لنظام الإخوان حتى يستكمل خطته فى التمكين على مفاصل الدولة، وبعدها يكون لكل حادث حديث. كما عرفنا من التحقيقات مع عادل حبارة المسئول عن مقتل الجنود الخمسة والعشرين المصريين فى سيناء، أن زعيم دولة العراق الإسلامية اتصل به وعرض منحه مبلغا كبيرا من المال نظير أن يقوم بعمليات عسكرية ضد الجيش المصرى ومنشآته وجنوده وأن يعلن البيعة لزعيم داعش، ومن ثم يصبح للتنظيم العراقى امتداد ولو كان واهياً فى أرض سيناء المصرية. وإذا نظرنا إلى الأحداث الدموية الجارية فى كل من سوريا ولبنان والعراق، سوف نجد بصمات القاعدة وملحقاتها موجودة بصورة يومية، لعل أبرزها التفجير الانتحارى ضد السفارة الإيرانية فى بيروت فى الأسبوع المنصرم الذى مثّل عملا عدائيا مباشرا وغير مسبوق ضد حزب الله وإيران على أرض لبنان الذى وجد نفسه فى وسط الجحيم السورى، رغم سياسة النأى التى طبقها الرئيس اللبنانى وحكومته طوال الأعوام الثلاثة الماضية بنجاح نسبى. ويأتى ذلك مصاحبا لتغيرات رئيسة فى استراتيجية زعامة القاعدة تجاه التطورات الجارية فى سوريا، حيث قرر «الظواهرى» زعيم التنظيم فصل دولة العراق الإسلامية المعروفة اختصارا بـ«داعش» عن جبهة النصرة السورية، التى ألمحت أنها بصدد إعلان دولة الخلافة فى سوريا، وقيل فى تفسير ذلك الفصل أنه للتمهيد لجعل جبهة النصرة بمثابة فصيل سورى خالص ليمارس السياسة والأعمال العسكرية وربما الارتباط لاحقا بنتائج مؤتمر جنيف 2 الدولى الخاص بحل الأزمة السورية باعتباره فصيلا سوريا وطنيا فى حين أنه مُصنف لدى الأمم المتحدة باعتباره فصيلا إرهابيا ويضم عددا كبيرا من الأفغان وجنسيات عديدة.
وفى المقابل قامت سبعة من التنظيمات الإسلامية المسلحة بالإعلان عن توحدها تحت مسمى الجبهة الإسلامية، منها «صقور الشام وجيش الإسلام وجيش محمد وأنصار الشام وأنصار الحق»، بهدف إسقاط نظام بشار الأسد وإقامة الدولة الإسلامية. وكانت انقرة وراء هذا التشكيل الجديد بهدف توحيد المعارضة السورية الإسلامية المسلحة لكى تكون مؤهلة للمشاركة فى مؤتمر جنيف 2 مع الائتلاف السورى المعارض والجيش السورى الحر. ولا يخلو المغرب العربى ومنطقة الساحل من تصاعد مستمر للتنظيمات المسلحة المنشقة من جماعات سلفية متطرفة تحولت إلى تنظيمات تعتقد فى الفكر الجهادى القاعدى، فى كل من الجزائر وتونس ومالى وليبيا مع نشاط مستمر ودؤوب للتغلغل فى المغرب، والهدف هو السيطرة على مساحة إقليمية ممتدة وعابرة للحدود التى لا تعترف بها هذه الجماعات أصلا من أجل وضع اللبنة الأولى وفقا لمعتقداتهم لدولة الخلافة الإسلامية، ومستغلة حالة الفوضى واللايقين السائدة وإن بدرجات مختلفة فى هذه البلدان.
كانت القاعدة بعد اندلاع ثورات الربيع العربى فى كل من تونس ومصر قد حاولت أن تفسر الثورات الشعبية العربية باعتبارها امتدادا للحالة الثورية التى مثلتها القاعدة قبل عقد كامل، غير أن الطريقة السلمية التى اندلعت بها الاحتجاجات الشعبية فى تونس ومصر وفى سوريا فى الأشهر الستة الأولى، أكدت أن ادعاءات القاعدة مجرد كذب وخداع ومحاولة للاصطياد فى الماء العكر، خاصة أن محفزات القوى الشعبية الثائرة فى هذه البلدان لم تكن ذات صلة لا من قريب أو بعيد بالبنية الفكرية والسلوكية للقاعدة، وكانت نتاجا لبيئتها المحلية وطموحاتها الذاتية فى الحرية والعدالة والديمقراطية، وهى قيم وعقائد ترفضها القاعدة وتعتبرها من المحرمات وصنائع الطاغوت الواجب قتاله إلى يوم الدين.
كان السائد أيضاً أن وجود جماعات إسلامية وصفت بأنها معتدلة كجماعة الإخوان وفقا لمعايير هذه الفترة، شاركت بعد اندلاع الثورات الشعبية فى تأجيجها ثم الانخراط فيها باعتبارها فصيلا ثوريا متصلا بنبض الشارع، كفيل أن يدحض كل ادعاءات القاعدة بل وأن يحصرها فى ركن قصىّ، ومن ثم يسهم فى إنهاء تأثيرها وقدرتها على جذب قاعديين جدد. بيد أن الرياح لم تأت كما تشتهى السفن، فقد ثبت يقينا أنه ليس كل من ادعى الاعتدال كان معتدلا بالفعل، والنموذج الأبرز هو جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، التى ارتمت فى أحضان القاعدة وتحالفت معها ومع ملحقاتها فى غزة وليبيا وأفغانستان من أجل هدم الدولة المصرية وبناء دولة الإخوان القاعدية، وسلخ سيناء عن الوطن الأم، وهو أمر سمح للتنظيمات التابعة فكريا أو تنظيميا للقاعدة بالانتشار مستغلة فى ذلك حالات الفوضى وطبيعة المراحل الانتقالية التى مرت بها دول الربيع العربى.
ووفقا للدراسات التى تابعت مسيرة القاعدة بعد الهجوم الأمريكى على أفغانستان وحكومة طالبان فى ديسمبر 2001، فقد بدا أن التنظيم ورغم فقدانه تماسكه التنظيمى وتشكيله الهرمى، فإنه حافظ على منظومته الفكرية مستغلا شبكة الإنترنت فى تحقيق أكبر انتشار لها عبر العالم كله، كما تبنى فكرة أن كل مؤمن بفكر القاعدة يمكنه أن يشكل جيشا بمفرده ويترك له حرية العمل الجهادى والعنيف ضد الأعداء أينما يكونوا، وهو ما تولد عنه ما يعرف أمنيا بالذئاب المنفردة أو الجنود التائهة، وهم العناصر غير المرصودين أمنيا الذين يقومون منفردين أو فى جماعات صغيرة للغاية بعمليات تحمل بصمات القاعدة ولخدمة أهدافها بإمكانياتهم الذاتية والمحلية ودون أدنى اتصال مباشر بالقاعدة نفسها. وهكذا أصبح الانتشار القاعدى العابر للحدود مشكلة إقليمية بامتياز وليست محلية، ومهما تكن الجهود التى يمكن أن تبذلها كل حكومة على حدة لمواجهة هذا الوباء العنيف، سيظل الأمر قاصرا إلى حد كبير، ولا بديل إلا العمل الجماعى الإقليمى العربى يمكن أن تبادر إليه مصر يبدأ بتبادل المعلومات وينتهى بالتحضير لعمليات مشتركة وفق ضوابط معينة ضد تنظيمات القاعدة وملحقاتها، مع تطبيقات شاملة لتأمين الحدود.