فى كلمات رومانسية ممتزجة بالواقعية ومغلفة بالمشاعر الرجولية المصرية، التى لا يملكها أى رجل فى العالم إلا المصرى، قال الشاعر حسين بكرى: «إنها تجيد فن الطبخ جيداً وتجيد أكثر اللعب فى المقادير، فتجعلك تأكل نفس الطبق كل مرة بمذاق مختلف»، ولأننى أقرأ الشعر والأدب بصفة عامة بمشاعرى وانفعالاتى قبل عينىّ، علقت على كلماته تلك، فقلت: «إنها تجيد فن الحياة والإبهار ولفت الانتباه وتحفيز المشاعر النائمة والآمال المؤجلة والإبداعات التى تعوقها الأيام لتنطلق بسرعة، وفى طريقها للسماء تقوم بتخدير رغبات الدخول فى نزاعات والشجار والعنف والبعاد والفشل والاستسلام والانهيارات الاقتصادية وتفكك الكيانات العاطفية، وأى من أنواع الشراكة»، فالحقيقة أننا نفتقد فن إتقان الحب والحياة وكثير منا لا يصل للمعنى الحقيقى لهذه الكلمات ويتعامل معها بسطحية شديدة تفقدها المعنى والمضمون، فإذا تحدثنا عن فن الحياة، فلا بد أن نقول فى البداية إن الفن فى الحقيقة جملة من الوسائل التى يستخدمها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف، وبخاصة عاطفة الجمال. وإذا كان التصوير والموسيقى والشعر موهبة ومهارة يحكمها الذوق والمواهب، فإننا نقول إن الفن للفن وهو المبدأ الذى ينادى به العالم للحفاظ على قيمة الفن ذاته. وإذا انتقلنا لإتقان الحياة فسنجد أن الحياة نفسها مهارة والتزام وهبة لا بد من الحفاظ عليها، ولأن الكتاب والعلماء والمثقفين والفلاسفة عرفوا أهمية فن إتقان الحياة، فقد ظهر علم التنمية البشرية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التى شاركت فى الحرب مصدومة من الدمار البشرى والاقتصادى الهائل، الذى تعرضت له بصفة خاصة الدول الخاسرة.
فقد كان لزاماً على المجتمع الدولى أن يرمّم تلك النفوس التى دمرتها الحرب والنيران والقنابل وزرعت من حولها الألغام، وبدأ العالم وقتها بالتنمية الاقتصادية، وواكبتها البشرية لسرعة الإنجاز والخروج من النفق المظلم. وفى عام ١٩٩١ أصدرت الأمم المتحدة أول تقرير تحت اسم «مؤشر التنمية البشرية فى دول العالم»، لتقيّم به المجهودات التى يبذلها الجميع لإتقان فن الحياة. فإذا أردنا أن نتقن الاثنين معاً، فلا بد أن يبحث كل منا عما داخله وعما تعلمه منذ طفولته والمصادر التى أثرت على نموه العقلى وجمعت له مخزون المشاعر والخبرات التى يملكها لينمّى الإيجابى منها، ويتخلص من السلبيات كلها، فقد قال أحد الحكماء عن الحياة: «نبدأ الحياة عندما نزيح جانباً الأنا الخاصة بنا، ونفسح المجال لمحبة الآخرين»، كما قال نزار قبانى «لولا المحبة فى جوانحه ما أصبح الإنسان إنساناً»، بينما أكد «سقراط» فى كتاب له «أن الحياة ليست بحثاً عن الذات، ولكنها رحلة لصنع الذات، فاخلق من نفسك شيئاً يصعب تقليده». ومن أجمل ما يمكن أن يوضح لنا كيف نتقن تنمية مشاعرنا وملكاتنا ما كتبه المحلل النفسى، إيريك فروم، فى كتابه الذى يعتبر من أكثر المؤلفات قراءة فى العالم والذى ترجم للعربية «فن الحب» الذى تبعه بآخر نال نفس الشهرة والاهتمام فى الأوساط الثقافية والفلسفية تحت اسم «الامتلاك أو الوجود» وسبقهما بـ«الإنسان نفسه»، و«المجتمع السوى»، و«الهروب من الحرية»، ويمكن من عناوين هذه الإبداعات الخاصة بالكاتب أن نحصل على مبادئ تصل بِنَا لإتقان فن الحب والحياة كما ذكرها مغلفة بالكثير من الإسقاطات النفسية، حيث ترجم كلمة فن الحب بأنها الإتقان والإجادة والبراعة والمهارة فى التعبير عن العواطف، كما ركز على مجموعة من خلاصات أساسية حول الإنسان المعاصر ومستقبله ونصح بأن يتخلص كل منا من السلبية، لأنها هى التى تجلب الفشل وعدم القدرة على الاستمتاع بأى من مشاعرنا بينما إن كان الإنسان قوياً مقاتلاً، فستسعده أشياء فى غاية البساطة قد لا تعنى أى شىء للكثيرين، وغالباً ما تكون هى الطريق لإتقان ما نبحث عنه جميعاً.