فى ظل عصر العولمة الذى نعيش فيه، لم يعد ممكناً الانكفاء على الذات، وأصبح من الضرورى متابعة التطورات العالمية المتلاحقة والتفاعل معها بالتحليل والدراسة واستخلاص العبر والدروس والتعاطى معها بما يتناسب مع المصالح الوطنية للدولة المصرية بوجه خاص والمصالح القومية للأمة العربية بوجه عام، وكما سبق أن قلنا فى مقال سابق، فإن القوانين تشكل مرآة صادقة لسياسات الحكومات، ويمكن بالتالى الاعتماد عليها فى رسم صورة واضحة عن سياسات الدول وسبر أغوار عالم السياسة وتشابكاتها وألاعيبها. ومن ثم، ارتأينا من الملائم الاعتماد على القوانين والتشريعات الأجنبية كمرصد أمين لسياسات الدول وآلية فعالة لتوثيق الأحداث السياسية. وانطلاقاً من ذلك، نعتقد أنه من المناسب أن نقوم من خلال هذه النافذة برصد بعض التشريعات التى تصدر فى العواصم الأجنبية المؤثرة على المستويين الدولى والعالمى، متى كان لهذه التشريعات انعكاسات على الأوضاع فى بلادنا أو ترتبط بها على نحو أو آخر.
وهكذا، وفى الثانى والعشرين من أغسطس 2018م، وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على مشروع قانون بمنح الرئيس الراحل أنور السادات ميدالية الكونجرس الذهبية، تقديراً لإنجازاته البطولية ومساهماته الشجاعة فى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وذلك على حد تعبير ديباجة القانون ذاته، وكما جرت العادة فى صياغة التشريعات الأنجلوسكسونية، فإن المادة الأولى تحدد اسم القانون، بنصها على أن «هذا القانون يمكن أن يسمى (قانون الاحتفال بالذكرى المئوية لأنور السادات)»، إذ يأتى صدور هذا القانون تزامناً مع مرور مائة عام على ميلاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، المولود يوم الخامس والعشرين من ديسمبر سنة 1918م. ويبدو كذلك أن الكونجرس الأمريكى قد بادر إلى الموافقة على القانون فى هذا التوقيت من شهر أغسطس حتى يصدر قبل الذكرى الأربعين لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، المعروفة باسم «اتفاقية كامب ديفيد»، الموقعة فى السابع عشر من سبتمبر 1978م.
وتشير المادة الثانية من مشروع القانون إلى مبررات صدوره، وذلك من خلال الإشارة إلى السيرة الذاتية للرئيس الراحل أنور السادات، والمولود فى أسرة فقيرة كبيرة العدد، مكونة من الزوجين وثلاثة عشر ولداً. وهنا نرى من الضرورى إلقاء الضوء على أحد القوانين الإلهية التى تبعث باب الأمل للملايين من الشباب المولودين فى أسر فقيرة، والراغبين فى الترقى الاجتماعى، فرغم الظروف المادية والاجتماعية الصعبة التى مر بها السادات فى بداية حياته، فإنه استطاع الوصول إلى سدة الحكم فى مصر. ونفس الحال ينطبق على الرئيسين جمال عبدالناصر ومحمد حسنى مبارك، اللذين وُلدا فى أسرتين فقيرتين. ويمكن أن نسرد هنا آلاف الأمثلة لأشخاص تحدوا ظروفهم الصعبة وصعدوا فى سلم المجد فى مختلف مجالات الحياة. كذلك، تشير المادة الثانية من القانون إلى أن توقيع اتفاقية السلام أغضب العديد من الأفراد ممن عارضوا وجود علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل، ووصل الأمر إلى حد اغتيال أنور السادات فى السادس من أكتوبر سنة 1981م. وتؤكد المادة الثانية من القانون أن السادات كان لديه إدراك تام بالجدل الذى يمكن أن تشكله سياساته، ومع ذلك قام بالدفع فى اتجاه السلام أياً كانت التبعات. والواقع أن الجدل حول سيرة السادات ما زال مستمراً فى المنطقة العربية حتى اليوم. ويكشف ذلك عن إحدى آفات العقل الجمعى العربى الذى يظل مستغرقاً فى أحداث الماضى، لا يتجاوزها رغم مرور الزمان، ولا توجد بالتالى فائدة عملية من استمرار الجدل حولها.. والله من وراء القصد.