من يقرأ رأى «ابن إياس» فى سليم شاه والعثمانيين، يشعر بأنه أمام مؤرخ مؤمن بحضارة هذا البلد وتفرده بين بلدان الأرض فى عصره، دهمته الحسرة وهو يرى هذا البلد يسقط فى يد من لا يعرف قيمته. وعلى الرغم من أن «ابن إياس» ذكر بعض الحوادث التى تعكس عدل السلطان العثمانى، فى الحالات التى يجور فيها عسكره على الأهالى، فإنه استغرق وأسهب بعد ذلك فى ذكر مثالب سليم شاه وتوقف كثيراً أمام سلوكياته وكذا سلوكيات جنده. فى وصف سلوك سليم شاه قال «ابن إياس»: «وفى مدة إقامة ابن عثمان فى مصر لم يجلس بقلعة الجبل على سرير الملك جلوساً عاماً، ولا رآه أحد، بل كان مشغوفاً بلذته وسكره وإقامته فى المقياس بين الصبيان المرد، ويجعل الحكم لوزرائه بما يختارونه. فكان ابن عثمان لا يظهر إلا عند سفك دماء الجراكسة، وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس، وليس له قول ولا فعل، وكلامه ناقض ومنقوض لا يثبت على قول واحد كقول الملوك وعادتهم فى أفعالهم، وليس له سماط يعرف، ولا نظام كعادة السلاطين فى سماطهم تجلس عليه الخاصكية فى كل يوم». جملة من التهم يلصقها «ابن إياس» فى النص السابق بالسلطان «سليم شاه»، أخطرها أنه كان يعانى من الشذوذ (من المثليين)، ومهزوز الرأى، يفتقر إلى ما يجب أن يتوافر فى الملوك من حسم وحزم، وأنه فى المجمل كان عجيب الأحوال فى اختياره لمكان إقامته وطقوس طعامه. ولا خلاف على أن «ابن إياس» كان متأثراً فى حكمه على السلطان سليم بثقافة الحكم المملوكى التى عاصرها، وعلينا أيضاً ألا ننسى أنه كان جركسياً ينتمى إلى قبيلة «أباظة» الجركسية.
لم يكن جنود سليم شاه أقل رداءة -من وجهة نظر «ابن إياس- من سلطانهم. وإذا كان المؤرخ قد تأدب بعض الشىء وهو يصف مثالب «سليم شاه» فقد أطلق لقلمه العنان وهو يصف جنوده. يقول «ابن إياس»: «أما عسكره فكانوا جميعاً عيونهم دنيّة، ونفوسهم قذرة، يأكلون وهم راكبون على خيولهم فى الأسواق، وعندهم عفاشة فى أنفسهم زائدة وقلة دين، يتجاهرون بشرب الخمر فى الأسواق بين الناس، ولما جاءهم شهر رمضان كان غالبهم لا يصوم ولا يصلى فى الجامع، ولا صلاة الجمعة إلا قليلاً منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة، وليس لهم نظام يعرف لا هم ولا أمراؤهم ولا وزراؤهم وهم همج كالبهائم». لم يركز «ابن إياس» فى وصف جنود «ابن عثمان» على ما امتازوا به من شجاعة وجلد وتصميم على تحقيق أهدافهم، وهى أمور معلومة بالضرورة، ويشهد عليها نجاحهم فى فتح بلاد العرب من العراق إلى مصر، لكنه توقف عند مجموعة من السلوكيات الكاشفة عن الفقر الحضارى لدى هؤلاء الجنود، فأشار إلى قذراتهم ودناءتهم وجهرهم بالمعاصى وعدم احترام المقدسات والفوضوية، وخلص إلى أنهم كانوا همجاً أقرب إلى البهائم منهم إلى البشر الطبيعيين.