«الدقهلية».. غابت المواجهة عن الأنظمة الطبية فانتشرت الأمراض
مرضى الفشل الكلوى معرضون للإصابة بـ«فيروس سى»
حالة من الهلع أصابت العديد من الأطباء والعاملين وأعضاء طاقم التمريض بقسم الجراحة فى مستشفى المنصورة الدولى، بعد اكتشاف إصابة أحد المرضى المحتجزين فى المستشفى منذ أسبوعين بفيروس نقص المناعة المكتسب «الإيدز»، دفعتهم إلى الإسراع لمعامل التحاليل لإجراء الاختبارات اللازمة، للتأكد من عدم انتقال الفيروس إليهم، بينما لجأ آخرون إلى تحرير محاضر ضد إدارة المستشفى، واتهموه بتعريض حياتهم للخطر، بعدم الكشف عن طبيعة الحالة، الأمر الذى كان يستلزم اتخاذ الإجراءات الوقائية المتبعة لمكافحة العدوى.
إحدى الممرضات بقسم الجراحة أكدت لـ«الوطن» أنه تم التعامل مع الحالة كمريض عادى، وبدون أى تحفظات أو إجراءات وقائية، مشيرة إلى أن المريض كان مصاباً بجرح كبير أعلى الفخذ، وكانت حالته العامة سيئة، وأضافت: «دخل غرفة العمليات، وقمنا بإجراء الجراحة له، وخرج من العمليات إلى العناية المركزة، ومنها إلى غرفة المرضى، كنا نتعامل معه بشكل طبيعى، وفوجئنا بوصول أحد قيادات مديرية الصحة ليخبر الأطباء بإصابة المريض بالإيدز، وبدأ الخبر ينتشر بين العاملين والممرضات، وطلبنا من المسئول تصوير الورقة التى تؤكد إصابته، إلا أنه رفض»، وأشارت ممرضة أخرى بنفس القسم إلى أن عدداً كبيراً من العاملين توجهوا إلى معمل المستشفى، وطلبوا إجراء تحاليل لهم، واشترط مسئولو المعمل الحصول على موافقة مدير المستشفى أولاً، باعتبار أن هذه التحاليل سيترتب عليها تكاليف مالية.
هلع فى «المنصورة الدولى» بعد اكتشاف أطباء أن من يعالجونه مريض بـ«الإيدز» دون سابق إنذار.. والقضاء ينصف مرضى «الغسيل» بعد إصاباتهم بفيروس «سى»
مسئول بمديرية الصحة بالدقهلية تحدّث لـ«الوطن» عن حالة «مريض الإيدز» بمستشفى المنصورة الدولى، قائلاً إنه يُدعى «أ. أ. ق»، ويبلغ من العمر 38 سنة، وأضاف أن الأطباء اكتشفوا أنه يخضع للعلاج من «الإدمان» منذ فترة كبيرة، وبعد انتشار خبر إصابته بـ«الإيدز»، تم التنسيق مع مديرية الصحة، وتم نقله إلى مستشفى «الحميات» بالمنصورة لاستكمال علاجه، كما تم وضعه تحت المراقبة والمتابعة. وأضاف أنه تم الاستعلام عن بيانات مطلقته لتوقيع الكشف الطبى عليها، ومعرفة ما إذا كان الفيروس قد انتقل إليها من عدمه، وتم اتخاذ إجراءات مماثلة مع جميع المخالطين للمريض.
ولم تكن هذه الحالة هى الأخيرة، بل ظهرت حالة أخرى لمصابة بمرض «الإيدز» فى مستشفى الطوارئ بالمنصورة، وخضعت لعملية جراحية فى إحدى ذراعيها، دون علم الأطباء بطبيعة إصابتها، وبعد اكتشاف إصابتها بالفيروس، أصيب أحد الأطباء المشاركين فى إجراء العملية لها بحالة من الذعر، وأكد فى محضر رسمى حرره ضد إدارة المستشفى بقسم شرطة المنصورة، أنه أصيب بوخز إبرة أثناء العملية، وأنه يخشى انتقال المرض إليه، لافتاً إلى أن المستشفى لم يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية أعضاء الفريق الطبى من الإصابة بالعدوى.
ووفق وقائع سابقة، فقد تعددت حالات الإصابة بالعدوى فى عدد من المستشفيات التابعة لمديرية الصحة بالدقهلية، كانت أخطرها فى 2012، عندما اكتشف الأطباء فى مستشفى المنصورة العام القديم، عند فحص نتائج تحاليل 26 مريضاً بالفشل الكلوى، أنهم أصيبوا بفيروس الالتهاب الكبدى الوبائى «سى»، بعد أن بدأوا فى الخضوع لجلسات غسيل كلوى بالمستشفى، وعند التحقيق فى الواقعة، أثبتت المعامل المركزية لوزارة الصحة تلك النتائج المأساوية، التى نجم عنها وفاة 3 حالات من المصابين بالعدوى الفيروسية.
كما انتهى تقرير، أعده الدكتور حسين محمد شعيشع، الأستاذ المساعد بكلية الطب، فى ذلك الوقت، إلى أن «معدل التحول الإيجابى لفيروس سى لمرضى الغسيل الدموى الكلوى بمستشفى المنصورة العام، 26 حالة، ثم 3 حالات، ليرتفع العدد إلى 29 حالة، حتى وصلت نسبة التحول الإيجابى للإصابة بالمرض إلى نسبة 75% خلال أقل من عام، فى حين أن المعدلات المقبولة عالمياً لا تزيد على 5% بأى حال من الأحوال». وأرجع التقرير ارتفاع تلك النسبة إلى تكدس المرضى فى الصالة التى كانت مخصصة للمرضى «السيرولوجى»، وإلى الممارسات الخاطئة من هيئة التمريض، حيث كانوا يقومون بحقن عقار «الهيبارين»، وتخفيفه بسرنجة كبيرة الحجم، ثم يقومون بحقن كل المرضى بتلك السرنجة دون تغييرها، مما أدى إلى انتشار الفيروس من مريض لآخر.
وأضاف «مأمون» أنه قدم إلى محكمة المنصورة صورة من التقرير الخاص بالدكتور «شعيشع»، والذى أثبت ارتفاع معدل الإصابة بفيروس «سى» لمرضى الغسيل الكلوى بمستشفى المنصورة العام، إلى 75%، ولفت إلى أن المحكمة قضت فى عام 2014 بتعويض ورثة إحدى المريضات، تُدعى «سعاد أحمد المنياوى»، بتعويض مالى قدره 90 ألف جنيه، بعد اكتشاف إصابتها بفيروس «سى» أثناء خضوعها لجلسات الغسيل الكلوى بالمستشفى، حيث أثبتت التحاليل التى قامت بإجرائها قبل الغسيل، أنها خالية من الفيروس.
ومن جانبهم، أعرب العديد من الأطباء وأعضاء الطواقم الطبية عن استيائهم بسبب عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتجنب إصابتهم بالعدوى، وطالبوا بضرورة صرف «بدل عدوى» مناسب، يتلاءم مع ما يتعرضون له من مخاطر أثناء مباشرة عملهم. وقال الدكتور أحمد عوض، طبيب بوزارة الصحة: «نتعامل مع المرضى مباشرة، دون انتظار وصول التقارير أو الفحوص الطبية، خاصة فى حالات الحوادث، فعندما يأتى المريض إلينا، لا بد من التدخل فوراً لوقف النزيف، وبعدها يتم البدء فى علاجه، أو خياطة الجرح، وبعد ذلك نفكر فى عمل التحاليل اللازمة، ويمكن أن يكون المريض حاملاً لأحد أخطر الفيروسات، ومع هذا الوازرة تصرف لنا بدل عدوى أقل من 20 جنيهاً».
وأضاف «عوض» لـ«الوطن» قائلاً: «عندما ظهرت حالات الإصابة بالإيدز، حاولت جميع الجهات الرسمية التخفيف من حدة الأمر، وأظهروا الأطباء الذين اشتكوا على أنهم هم المخطئون، على اعتبار أن الإيدز فيروس ضعيف»، إلا أنه أكد: «كل هذا ليس مبرراً لأن يدخل الطبيب على مريض دون أن يعرف بإصابته بالفيروس»، خاصة أن الإصابة لا تظهر على المنتقل إليه المرض إلا بعد سنوات.
الدكتور السعيد عبدالهادى، عميد كلية الطب، ورئيس المجلس الأعلى لمستشفيات جامعة المنصورة، أكد لـ«الوطن» أن معدل إصابة الأطقم الطبية بمرض «الإيدز» منخفض للغاية، ويتراوح بين 0.03 و0.3% من الإصابات، وأرجع ما حدث فى مستشفى الطوارئ إلى أنه يتعامل مع جميع الحالات المقبلة إليه دون النظر فى نتائج التحاليل، وأكد أن هناك برتوكولاً لمكافحة العدوى يتم تطبيقه فى جميع الأحوال، لأن المستشفى يستقبل جميع المرضى، ومعظم الحالات الواردة إليه تكون من حالات الحوادث والنزيف، ويتم التعامل مع المريض مباشرة، أياً كانت حالته، كما أوضح أن هناك إجراءات متعارف عليها دولياً فى مثل هذه الحالات، وجميع الدوريات العلمية أكدت أن الإصابة تتم بالاتصال المباشر للمريض، وليس بالتلامس، ولفت إلى أن «جميع المعايير متوافرة»، ويتم حالياً علاج مرضى «الإيدز» وسط باقى الحالات من غير المصابين بالمرض، وهذا إجراء معترف به دولياً، وذلك لأن «فيروس الإيدز ضعيف جداً، ولابد أن ينتقل حياً للجسم الآخر، حتى تحدث العدوى»، وضرب عميد طب المنصورة مثلاً بتجربة عملية لأحد الأطباء الأجانب، قام بجمع مرضى «الإيدز»، وأقام معهم ليوم كامل، يتحدث ويأكل ويشرب معهم، حتى إن إحدى المريضات طلبت أن تقبله، فلم يُبدِ اعتراضاً على ذلك، وبعد هذه التجربة، أكد للجميع أن مرض «الإيدز» لا ينتقل إلا عن طريق التواصل المباشر.