لا أعرف القليل يا عزيزتي؛ فأنا عندما أحب، أحب بكل جوارحى. ابتداء من القلب وحتى أدق خصلة شعر فى رأسى، أنا أكره القليل ولا أرضى به، فحين أحب لابد أن يكون حبى عظيمًا، وحين أحزن لا أدع قليلًا من الحزن لتوزيعه على باقى بؤساء الأرض.
آه لو تعلمى كم أفتقدك؛ أفتقد ذلك الفستان الذى كان يخطف لُبى وأظل أفكر فى روعته أيام وليال، هل الفستان جميل، هل يزيدك جمالًا، أم أننى كنت أراه جميلًا لأنه حواكِ! لو تعرفى كم أشتاق إلى عينيك التى تغمضيها عند الضحك، كم أشتاق إلى تلك الضحكة الصافية والابتسامة البريئة، أفتقد كل شيء، وأدق التفاصيل، أسنانك التى أصبحت صفراء من كثرة تناولك للشيكولاتة، أفتقد تفاصيلك التى أعرفها والتى لا أعرفها، التى تعرفيها عن نفسك، وتلك التى لم تعرفيها بعد.
هل ستصدقينى لو أخبرتك أن صوت ضحكتك لم يغادر أذنى يوما، وأننى كل يوم وقبل أن أنام أدعوا الله أن يجمعنى بك على النحو الذى يرضيه، هل ستصدقى أننى لم أعش بعدك يوما جميلا، ولم تعرف الابتسامة طريقها لوجهى.
أسير بين الناس أنشر السرور، وأساعدهم فى حل مشكلاتهم، وأقدم النصيحة لمن يحتاجها حتى وإن لم يطلبها، ولا أسأل أحدًا أن ينصحنى، ولا أطلب من أحدٍ أن يتوسط بينى وبينك، لأنى لا أطلبك إلا من ربى.. فقد أخبرتك أننى لا أعرف القليل، لهذا أطلبك من صاحب القدرة المُطلقة، هو فقط القادر على تقليب قلوب عباده.
آه لو تدرين كم كنت حمقاء حين ضيعت على نفسك الارتقاء على عرش المملكة المسحورة التى بنيتها لأجلك، حوائطها من الياقوت، أبوابها من المرجان، وسائدها من زهور الفل، أسرَتها من زهور الفل، مقاعدها من زهور الفل، حدائقها زهور فل، فأنا أعشق اللون الأبيض لأنه يذكرنى بقلبك الصافى الجميل، قلبك البريء، قلب الجنين الذى لا يعرف حقدًا ولا بغضًا، لكنه قلب أحمق، كثير الحماقة، ولهذا عشقتك.. فأنا لا أعرف القليل.
هذه آخر الرسائل الصيفية التى أكتبها لك، مع نهاية شهر يوليو الكئيب، انقضى ذلك الشهر، ولكن أحلامه لم تنقضى، أُسدل الستار على فصل من الحكاية، لكن القصة لم تنتهى بعد.