أتابع منذ سنوات طويلة ما يدور وما يروّج للعلاقة بين المواطن المصرى ورجال الشرطة ووزارة الداخلية. وهى العلاقة التى تشهد العديد من الشد والجذب.. خلال المساحة الفاصلة بين الانفلات والفوضى أو الانضباط والاستقرار.
يحاول البعض تصفية حسابات وهمية مع جهاز الشرطة فى مصر من خلال الشائعات والأوهام الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعى. لكن واقع الأمر يؤكد أن مشهد علاقة المواطن المصرى بهذا الجهاز الأمنى تحكمها بعض التصورات التى أسهمت فى صناعتها وسائل الإعلام والفيس بوك. ويمكن حصر تلك التصورات فى:
- التركيز المستمر على التجاوزات الفردية من بعض رجال الشرطة.. والحديث عن تجاوزات أمناء الشرطة بشكل فيه خلط مقصود بينهم وبين ضباط الشرطة، وتضخيم الأمر، سواء بنشر معلومات مغلوطة وغير دقيقة، أو بالضغط على الوجدان الشعبى من خلال الحديث عن «وهم» قضايا التعذيب.
- تصدير الأمر إعلامياً، على اعتبار أنها سياسة عامة من وزارة الداخلية ضد المواطن المصرى.. وكأن هناك قرارات خفية من جهاز الشرطة ضد مصلحة المواطن المصرى. وتجنّب تحديد الأمر باعتباره تجاوزاً فردياً.. يتم تحويل المسئول عنه إلى التحقيق ودرجات التقاضى إذا تم تجريمه.
- الحديث عن رجال الشرطة.. وكأنهم ليسوا من أبناء هذا المجتمع بسلبياته وإيجابياته، وبقيمة ومبادئه. وتجاهل أساس المشكلة فى الثقافة العامة للمجتمع المصرى.
ترتب على كل ما سبق.. وجود حالة من فقد الثقة فى شكل العلاقة اليومية مع جهاز الشرطة، ويمكن توضيح ذلك من خلال التقاعس عن الذهاب إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ ضد أى تجاوز قانونى، أو عزوف البعض وعدم المشاركة فى الانتخابات تحت «وهم» أنه تم حسم الانتخابات من خلال وزارة الداخلية قبل إجراء الانتخابات من الأصل.. وبالتالى، فإن المشاركة هنا (زى قلتها). بالإضافة إلى بعض التصورات الوهمية الأخرى التى تربط الدخول إلى قسم الشرطة بالتعرّض للإهانة وامتهان الكرامة.
الموقف هنا.. ليس مجرد تبنٍّ لموقف الدفاع عن جهاز الشرطة ورجاله.. لكن الموضوعية تتطلب أن ننظر إلى الإجراءات التى تتم داخل هذا الجهاز ضد المتجاوزين.. سواء ممن تم إدانتهم إدارياً داخل نظام وزارة الداخلية، أو ممن تم إدانتهم من خلال أحكام قضائية. وهو ما يعنى أن جهاز الشرطة يخضع للقوانين والدستور، ولا يتستر على المتجاوزين من أبنائه ورجاله.
وبغض النظر عن كل ما سبق، أعتقد أن الضمان الحقيقى للحفاظ على حال حقوق الإنسان فى مصر هو المشاركة الفعالة من جانب المواطن المصرى الذى يدافع عن حقه بالدرجة الأولى.. مع العلم بأنه لا يمكن الآن التستّر على أى تجاوز، سواء كان صغيراً أو كبيراً بعد ثورة 30 يونيو.
نقطة ومن أول السطر..
ما يحدث فى مصر هو محاولات مستمرة لخلق حالة من تصفية الحسابات بين المواطن المصرى وأجهزة الدولة من خلال محاولات لتصوير الأوهام، باعتبارها أحداثاً حقيقية، وتضخيم التجاوزات الفردية باعتبارها توجهات مؤسسية.