الـ«نجاح».. كلمة بسيطة من أربعة حروف تحمل بينها كل سعادة العالم ونعشقها جميعاً ونستمتع بمذاقها الذى لا يختفى من فمنا بسهولة، وإذا كنا من سعداء الطالع فقد يلازمنا العمر كله ويحيطنا بهالة من الضوء والإشراق تغير ملامحنا للأجمل ويلحظها الجميع، فنكون من فئة المميزين والمشاهير والمتألقين دائماً. وعادة ما تبدأ قصتنا مع تلك الحروف الأربعة منذ أول خطوة لنا خارج عالمنا الدافئ المملوء بالمشاعر الفياضة الخالصة دون أى أهداف (حضن الأم) عندما ننطلق خارجه بحثاً عن الغد والمستقبل والقلم والأوراق الملونة والبيضاء الناصعة بلون الأمنيات والأحلام. وفى بداية هذا الطريق تسعدنا نجمة صغيرة لامعة فوق الجبين ليراها الجميع ويعلمون أننا متفوقون بين أقراننا، وقد تضعها المعلمة على كف اليد كنوع من التدليل، ثم تنتقل لدفتر المدرسة، وتتكرر فى جولة لها بين الأوراق والحقائب والشهور والمواد الدراسية وسنوات العمر، وسرعان ما تنتقل تلك النجمة التى تسكن أحضاننا مساء وتنطلق مع كل فجر جديد لمكان آخر ويتغير لونها والمادة المصنوعة منها، حتى إن البعض قد يضعها فوق كتفيه ويضيف إليها كل فترة واحدة أخرى أو نسراً له نفس اللمعة ليصبح لنجاحه طعم آخر وشكل جديد، وقد يحتفظ المحظوظون منا بها داخل علبة زرقاء معلقة فى شريط يحمل اسم الجائزة التشجيعية، أو يعلقها على صدره، وتكون ذهبية أو فضية أو برونزية، أو يصل للقمة بها وهى مصنوعة من الذهب الخالص فى علبة تناسب قيمتها والأعمال التى استحقها بسببها، لتصبح قلادة النيل، إلا أنها مهما تنقلت وتغير شكلها ولونها ووقعها وحجم جائزتها، فإنها تظل ذات معنى واحد وهو «ناجح»، ويبقى النجاح دائماً فى كل وقت وزمن وعمر وفى كل عمل، له تأثير السحر فى انشراح الروح وتحقيق الذات.
وإذا كان النجاح هو الهدف الذى تتوارث الأجيال الرغبة فى الوصول إليه، فإن هناك نوعاً منه يمكن أن يُسقط جميع الأحلام ويئدها فى أجمل مراحلها، ويكتب كلمة النهاية لكثير من البدايات قبل موعدها بكثير. ونتحدث هنا عن نوع من النجاح قال عنه علماء النفس والاجتماع -وعلى رأسهم المحلل النفسى الشهير صاحب النظريات الخالدة «فرويد»- إنه يصيب الأزواج بما يسمى «الدفاع اللا شعورى عن النفس»، حيث يعتقد بعض الرجال أن نجاح المرأة يمثل له وللحياة الزوجية مصدر خطر قد يؤدى إلى فقدانه دوره وسلطته فى الأسرة، بعد أن اعتاد أن يكون هو القائد المميز فى كل شىء. وهنا يحدث الانفجار ويتحول النجاح إلى قاتل يقضى على أجمل المشاعر ويشوهها، وينهار البناء الذى تظن المرأة أنه سيظل مقاوماً لعوامل الزمن، فالزوج يدافع عن نفسه بالهروب لأخرى يتفوق عليها فى كل شىء وتشعر أمامه أنها فى حاجة للحماية والأمان الذى يمنحه لها تميزه، أما الأخرى التى أصابه نجاحها بالقلق، رغم كونها صاحبة سنوات الحب والعشرة والأبناء، فلا تجد مفراً أمامها إلا استكمال طريق النجاح دون رفيق العمر، وتظل -رغم الأدوار البراقة التى تلعبها فى المجتمع والحياة، وصورها التى تبحث عنها وكالات الأنباء، وكروتها الشخصية التى يتلهف عليها الجميع، وباب مكتبها الذى ينتظرون أمامه بالساعات للحصول على موعد أو توقيع أو فرصة عمل أو تقارب أو حتى ابتسامة ترحيب ومصافحة- رغم كل هذه الضوضاء والصخب والأضواء، تظل تبحث داخلها عن السبب وراء إصابتها بلعنة النجاح القاتل.