متى تحولت مصر إلى دولة الفقر والجوع والعوز، ومتى باتت دولة غير حقيقية، وما بداية هذا وسببه، وما السبيل إلى الخروج بمصر من ذلك؟ هل كانت بداية هذه الدولة المُعوَزة مع ما حدث للجنيه المصرى من تدهور بعد أن كان يشترى جنيهاً ذهبياً؟ وهل سبب هذا التحول يكمن فى المؤامرات والأطماع الداخلية والخارجية فقط؟ وما دور فساد الضمائر المستغلة لمواقعها أيهما أكثر تأثيراً فيما آلت إليه الدولة؟ ومن أين تأتينا معجزة تفك الترابط الشديد بين الفساد والأطماع والمؤامرات لتخرج الدولة من هذا الوحل؟ هل يوجد سبيل آخر نبتغيه ولا نعرفه للخروج من هذا، غير الضمير السوى، وتطبيق القانون، وكشف الفساد، وتوسيد الأمر لأهله، وتوضيح مصادر الدخل القومى وأوجه الإنفاق الحكومى؟
وهل باتت الدولة غير حقيقية يوم أن حُوصرت مؤسساتها الإعلامية والقضائية والأمنية والثقافية؟
إن ما جاء فى كلام السيد الرئيس فى مؤتمر الشباب الأخير يدعو ويستلزم التوقف عنده وتحليله، فإن كان فى كلامك يا سيادة الرئيس وفى مكاشفتك العلنية -بكلمات واضحة لا تقبل التأويل من واقع رؤيتك، بما لديك من معلومات، بحكم مسئوليتك، لما يُحاق بالبلد من مكائد ومخططات داخلية وخارجية وما تفشى فيها من فساد- ما قد يتم تفسيره أو تحليله -وفقاً لمصالح مختلفة عامة كانت أو خاصة، محلية أو دولية- بأن فيه إجحافاً بما وهب الله به مصر من نعم عديدة، ومن أبرزها أن ربَّى على أرضها نبياً ليكون عوناً ومستشاراً مؤتمناً لحاكمها لينقذها والبلاد حولها من الجوع والهلاك، وأن مصر قد ذكرها الله فى محكم آياته منذ ما يقارب الألف وخمسمائة عام على لسان يوسف الصديق «وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»؛ مصر الضارب تاريخها فى أعماق التاريخ بلد الرسالات السماوية ومعبر الأنبياء، وفى التاريخ الحديث كنز العلماء والأدباء حملة الجوائز العالمية، مصر منارة الشرق، بلدة الأزهر الشريف، حاملة الشريعة السمحاء والسنة النبوية الغراء، مصر جنودها حملة للواء النصر وخير أجناد الأرض، مصر التى وصفها رب العزة بأنها خزائن الأرض على لسان يوسف الصديق حينما «قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، فمصر التى حباها الله بالبحرين الأبيض والأحمر وأجرى فيها نهر النيل وأعطاها من الثروات الطبيعية وبارك فى أهلها ونسلها، ومصر التى كانت مقصد الشرق والغرب تتوافد إليها الجموع لتنعم بأجوائها وسحر جمالها وروعة طبيعتها.
ويأتى الرد على ذلك بأن مصر دولة حقيقية لها مجدها وتاريخها، وهى خزائن الأرض وبلد الأمن وهذه حقيقة كونية، لكنها آلت مؤخراً بفعل من يُفسد فيها وما يحُاق بها ويُدبر لها -كما وصفها السيد الرئيس- إضافة إلى أن سوء إدارة مواردها الاقتصادية ومقاصدها السياحية وثرواتها البشرية هو ما آل بها إلى ما نراه، وليست الزيادة السكانية هى التى أكلت موارد مصرنا الاقتصادية، فالأرض قدر الله فيها أقواتها، لكن إهمال الاستفادة من الثروة البشرية وإعدادها لتواكب التقدم العملى والعلمى منتشر فى أرجائها، ضاربة فيها للأخذ بأسباب الحصول على ما فيها من خيرات، وليس تركها لقمة سائغة للجهل والمرض والفساد وتنشئتها على المعونات والاستجداء والتطفل على الغير حتى أصبحت عادة أصيلة أوقفت الإنتاج وضيّعت الخبرات فى مختلف مناحى الإنتاج، مما قضى على مواردنا وخيرات بلدنا الاقتصادية.
وعلى قدر قسوة كلمات السيد الرئيس على ما آل إليه حال مصرنا إلا أنه يحمل بوارق الأمل فى الإصلاح الذى نرجو أن يكون شاملاً وحقيقياً ومستمراً فى مكافحة الفساد ورد كيد وسهام المفسدين والمتآمرين إلى نحورهم كما هو بادٍ للجميع من نشاط أجهزة الرقابة وإيقاع بعض المسئولين ذوى النفوذ متلبسين بالفساد.
وإن كنت يا سيادة الرئيس قد أبديت عتاباً من هاشتاج قليل من المصريين؛ أليس فى هذا دلالة قوية على القدر المتاح من الحرية السائدة فى عهدك؟. فيا واثقاً بالله ما لنت للإرهاب أتتأثر بقول بعض البشر! وما يضيرُ البحرَ أمْسى زاخِراً *** أن رَمى فيهِ غُلامٌ بحَجَر!
وإن كانت هناك غضبة منك يا سيادة الرئيس من المجحفين لمجهودك؛ فهل تظن أن توصيتك بأن (ما يجب أن نفعله جميعاً هو من أجلها فقط) ضاعت سدى؟!!!، وكيف ذلك وقد استجاب لك أحباب مصر المخلصون مما يحدو بك إلى المزيد من العمل المضنى من أجل مصر دون يأس أو ضجر، فإنما يوفى الصابرون على الحق أجرهم بغير حساب، ولنقف جميعاً متكاتفين بجوارك فى مواجهة الفساد والمؤامرات، مستبشرين بعودة مصر الدولة الحقيقية الغنية المستغنية القادرة المهابة ملاذاً وأمناً لغيرها من الدول عند الشدائد.
وأخيراً أدعو الله أن يجعلك ممن يتزينون بالرفق بالمصريين، بخاصة الكادحون منهم فما كان الرفق فى شىء إلا زانه، وفقك الله وسدد على طريق الحق خطاك وأصلح الله حالك وأصلح بك رعيتك، وجعل مصر بلداً آمناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين فهو ولى ذلك والقادر عليه..