الأصل فى ظهور أكذوبة «الجماعة الاستثنائية» فى تاريخنا المعاصر هو جماعة الإخوان. فعندما شرع المرحوم حسن البنا فى تأسيسها عام 1928، وأراد أن يختار اسماً لها، اختار اسم «الإخوان»، ثم أضاف إليه وصف «المسلمين»، ليخرج -عن قصد أو دون قصد- كل من ليس على «دين الجماعة» من دائرة الإسلام. ولو أنك تأملت وصف الإخوان، وبحثت بعض الشىء فى أصله، فستجد أنه لم يكن من اختراع «البنا»، بل ظهر قبل نشأة جماعة الإخوان. فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة مع مطلع العقد الثانى من القرن العشرين، بالتحديد بدءاً من عام 1911، عندما بدأ الملك عبدالعزيز -مؤسس الدولة السعودية الحالية- فى إنشاء جيش يكون أداة لمشروعه فى السيطرة على الجزيرة العربية، فظهر «جيش الإخوان»، الذى تكون من مجموعة من البدو الأشداء الذين قاتلوا تحت راية «عبدالعزيز»، وشكّلوا فى ما بعد تهديداً خطيراً له، دعاه إلى احتوائهم بالقوة مرة وباللين مرات. مصطلح «الإخوان» ليس نبتاً مصرياً أصيلاً، بل اختراع بدوى بامتياز، يصح أن يكون حسن البنا تأثر به، وجعله اسماً لجماعته، ولا خلاف على أن أمر استعارة المصطلح من المملكة إلى مصر يثير العديد من التساؤلات، ربما جاءت مناسبة فى المستقبل لأقدم إجابات عليها.
منذ نشأتها، تبنّت «الإخوان» مفهوم «الجماعة الاستثنائية»، وكان من الطبيعى أن يخرج من رحم الأمة استثنائيون آخرون، يرون أنهم الأجدر والأقدر على النهوض بالقوامة على غيرهم من المسلمين، رغم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عرّف الإسلام -عندما سُئل عنه- بأنه: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً». وعندما سُئل عن الإيمان، فى الحديث نفسه، أجاب: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». القرآن الكريم يؤكد فى العديد من مواضعه أن الله تعالى هو القيّم على البشر، وهو وحده المسئول عن حسابهم، فالإيمان مسألة فردية، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم نص فى آيات عديدة قطعية الدلالة على أن الحساب يتم بشكل فردى. من ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»، وقوله: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا». وقوله: «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ».
هذا المفهوم الفردى للإيمان ولحساب الإنسان على الدور الذى لعبه الإيمان فى سلوكياته فى الحياة، يجعل كل من يُعلى الجماعة على الفرد المسلم جديراً بمراجعة أفكاره. ولو أنه قلب فى صفحات التاريخ الإسلامى لأدرك أن أصل الكثير من الفتن والعديد من الصراعات الدموية التى أوجعت المسلمين مردها هذه الفكرة العجيبة، فكرة «الجماعة الاستثنائية» أو «الفئة الممتازة» من المسلمين.