في هذا العام معايدتي الهجرية هي لغير المسلمين، نعم هي لأصدقائي من الديانات والمعتقدات الأخرى أحدثهم قليلًا عن رسولنا الكريم محمد بن عبدالله وعن هجرته الكريمة. أحدثهم لأني مهتمة دائمًا بمعرفة تفاصيل جميع العبادات حريصة على التفكر والنقاش والوصول لمعنى الإيمان وحقيقته.
في مكة ومن عائلة كبيرة وكريمة يرجع أصلها إلى سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم «أبو الأنبياء» ولد محمد «ص» يتيم الأب، ثم ماتت أمه بعمر الست سنوات، فتعهده جده ثم عمه أبو طالب بالرعاية مصطحبًا إياه في جميع رحلاته. في رحلة الشام كانت مفاجئة الراهب بُحيري، الذي عرف أن الطفل الصغير سيكون نبي العرب من علامات قرأها بالكتب المقدسة.
شب محمد حليمًا صادقًا أمينًا، عمل بتجارة الأغنام- مهنة معظم أنبياء الله إن لم يكن كلهم- المهنة التي تجعلك تتدبر وتفكر والتفكير قرين الإيمان.
ثم عمل بالتجارة وأدار أعمال سيدة كريمة «السيدة خديجة»، التي أحبت أمانته وصدقه وكانت تكبره بالسن لكنها ما زالت شابة جميلة، فكانت له الحبيبة والزوجة والأم والسند ورزقا بالبنين والبنات، فمات بنينه وعاشت بناته.
لم يعبد صنما قط بل كان يتأمل ويتفكر بغار حراء، مختليًا بنفسه عن الآخرين، كما فعل إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وذات ليلة لاقت مناجاته ردًا هو الأجمل، لقد كان موعد الرساله الخاتمة. جاءه جِبْرِيل عليه السلام، جِبْرِيل وحي الأنبياء جميعًا، قال له «اقرأ باسم ربك الذي خلق» وضمه ضمة كبيره حتى تصبب العرق منه وأخبره بالأمانة التي يجب عليه حملها وتبليغها.
عاد لزوجته يطلب منها الغطاء وقد أصابته الحمى من هول الحدث، حكى لها ما لاقى، صدقته ولم تكذبه وذهبت من فورها لابن عمها «ورقة بن نوفل» الذي يتعبد على الحنفية والملم بالتوراة والإنجيل تسأله عن معنى ما حدث مع زوجها، فيجيب الراهب المتعبد بأن من زاره في الغار هو الناموس الذي أنزل من قبل على أنبياء الله.
وبدأت الرسالة بتفاصيلها، وبرجل واحد لا يشبه قومه، مختلف عنهم، الرحمه تملأ قلبه، صادق أمين، بدأ تبليغ الرسالة التي تنادي بعبادة رب واحد وترك عبادة الأصنام، توحد بين العبد والسيد وبين الغني والفقير والتي تحرم القتل والغزو والزنا وكل ما هو خبيث.
لم تعجب التعاليم رجالات وأكابر قريش، لأن تجارة الحج والأصنام سوف تبور ولأن العبيد لن يسخروا بعد اليوم ولأن مجونهم سيُصبِح محرمًا. من فورهم عذبوا أتباعه وآذوه كثيرًا، تمامًا كما حدث مع أنبياء الله جميعًا أثناء تبليغ الرسالات السماوية.
أمر الله نبيه وقومه صغار العدد بالهجرة الأولى إلى الحبشة، لأن لديهم ملك عادل لا يظلم عنده أحد، «النجاشي» حبيب المسلمين إلى يوم الدين، كان مسيحيًا معتدلًا، أحب الإيمان في قلوب قوم فروا من الكفر واستنجدوا به.
ثم كانت «الهجرة الثانية» لما جاء وفد من المدينة ليحجوا عند قريش، سمعوا عن الإسلام فآمنوا به، ثم عادوا العام التالي بعدد أكبر مسلمين موحدين.
وفي الهجرة إلى المدينة حدث الكثير، اطمأن الرسول إلى مغادرة آخر مسلم أرض مكة وبقي معه في مكة صديقه أبو بكر وعلّي بن عمه، ثم بدأ باللحاق بالمهاجرين هو وصديقه وأثناء الرحيل احتموا بغار ثور الذي كانت به وحوله معجزات كريمة «والله يثبت رسله والمؤمنين بالمعجزات» ليقول لنا أنه معنا وأنه ينقذ عباده المؤمنين.
وكانت الهجرة إلى المدينة وتأسيس أول دولة إسلامية. والهجرة عادة الأنبياء وما من نبي بعثه الله إلا وقد أبعد عن بلده وهاجر للنجاة أو لنشر الدعوه الإلهية بالإيمان. في المدينة نزلت باقي آيات القرآن التي تعتني بالعبادات وتنظيم الدولة الإسلامية وتوضيح العلاقات وحدودها وطريقة المواطنة كمسلم صحيح الإسلام. الإسلام الذي قام على مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
تكلم المستشرقون وغيرهم كثيرًا بشأن الإسلام وعن سيدنا محمد صلوات الله عليه، قالوا إن الإسلام هو مأخوذ من اليهوديةو المسيحية «كاتهام»، غير إنَّ الأمر في حقيقته ليس اتهامًا بل إن الإسلام بالفعل هو من جميع الديانات السابقة، وهو المتمم لها جميعًا والمؤكد عليها، وهو النسخة الحديثة من جميع الديانات وأنه من أول شروط الدخول بالإسلام هو الإيمان بجميع الكتب السماوية والرسل وعدم التفرقة بينهم.
إذًا ما يظنه البعض اتهامًا هو ليس كذلك بل إنه كبد الحقيقة، الإسلام جاء يفسر ويوضح ويحدث الإيمان ولا يخرج أبدًا عن روح الوصايا العشر وما قبلها وأساس الديانات جميعًا، وقد جاء مؤكدًا وموثقًا وملخصًا لكل ما سبق. اختلف من قبله أصحاب الديانات السماوية وانفرد كل منهم برأي، وتقسموا مذاهب وشيع وروافد، فجاء هو موضحًا وكاشفًا وفيصلًا. ومن بعد نزول الإسلام أيضًا حدث الاختلاف المعتاد واختلف المسلمون مذاهب وفرق، ودائمًا يختلف البشر لكن رب البشر واحد وتعاليمه واضحة.
تحدث العالم أيضًا عن محمد «ص» نبي العرب فمنهم من وصفه بالحكيم ومنهم من وصفه بالفيلسوف، ومنهم من شكك برسالته ومنهم من صدق ما امتلأت به كتب تلصق للإسلام وهي أبعد ما تكون عنه وعن الإيمان بشكل عام.
في كل الديانات والمذاهب هناك تفسيرات وقصص تحكي على هامش الكتب السماوية الإلهية، ومثل كل الديانات هناك ما هو موثق وهناك ما يوضع مغلوطًا ليبعد عباد الله عن طريق الله، وليشكك عباد الله بالإيمان ويسحبهم صوب الإلحاد والكفر، إنها ألاعيب الشيطان على مر العصور ومع كل الديانات.
إن العقل صديق الإيمان ومن يطلب منك كائنًا من كان أن تسمع وتطيع دون نقاش لأن هذا من أسس الإيمان، اعلم على الفور أنه لا علاقة له بالإيمان مهما كان هذا الشخص أو اسمه أو صفته.
لهذا لا تأخذ موقفًا من ديانة أو من مذهب أو من معتقد أو من أصحابه وأنت لا تلم جيدًا بالأمر. وأولًا وأخيرًا ليس كل ما تراه حقيقي وليس كل ما تسمع هو الحقيقة الكاملة. لكن الحقيقة الأكيدة هي أن كل الأفعال الصالحة تنتمي للإيمان ولطريق الله، وأي تصرف خبيث لا يقبله العقل أو الرحمة يستحيل أن ينتمي لأي دين كان، إن الله طَيب لا يقبل إلا طَيب الأعمال والأشخاص.
وبعد الهجرة كان على النبي صلوات الله عليه إقامة مجتمع متحضر رحيم والسعي لنشر الدين القويم، وإرساء الدستور والمعاملات والعلاقات. ثم كانت الحرب بين الخير والشر بين الإيمان والضلال، تزوج نسوة ضعاف أرامل ومطلقات ولم يتزوج إلا بكرًا واحدة. كانت تحركه الرحمة وليس أي شي آخر.
لم يكن محمد صلوات الله عليه، رجل حرب ولا قاتل ولم يكن عنيفًا ولم يكن مزواجًا ولا صاحب هوى، بل كان نبيًا رسولًا كريمًا، له معجزات عظيمة كمن سبقه من الرسل، وكانت معجزته الكبرى «القرآن الكريم»، ومحبة أودعت في قلوبنا ليوم البعث، علمنا أن نحب الرسالات والكتب والأنبياء وعلمنا أن الرحمة أساس الإيمان.
نحن أصحاب عقائد مختلفة لكننا جميعًا هدفنا واحد وهو رضا الله والوصول إلى طريقه، وطريقه يتسع للجميع والاعتدال ومحاولة فهم الآخر هُم أهم سمات الإيمان في كل الشرائع والأديان.
هذه هي قصتنا باختصار وأي شيء من شأنه الخروج عن هذه الصورة وهذه المبادئ فهو ليس من الإسلام في شيء، القرآن واضح لكنه جاء لأمة العرب بلسان عربي مبين غاية في البلاغة، لهذا يحتاج إلى التفسير وليست كل التفسيرات دقيقة، «لأنها اجتهاد بشري» أما كلمات الله وكتابه فهو تام دقيق لا يأتيه الباطل أبدًا. .