ليس دفاعاً عن وزارة البيئة، وإن كان وجب علىّ الدفاع عنها، فأنا أحد مؤسسيها، وصدر القرار الجمهورى بإنشاء جهاز شئون البيئة فى عهد وزارة كمال حسن على، حيث تولى الوزارة فى أعقاب وفاة د.فؤاد محيى الدين، ووجد المرحوم أ.د. عاطف عبيد القرار على مكتبه، فكلف أ.د.عبدالفتاح القصاص برئاسة الجهاز، ولعبت الأقدار دورها.
وكان الجهاز عبارة عن 4 غرف، وعدد 3 سيارات، منها سيارة بولونيز سافرت مع أ.د. المحمدى عيد بها عدة محافظات لافتتاح الحديقة الدولية بالإسكندرية والمنيا، فضلاً عن الحديقة الدولية بمصر الجديدة بالقاهرة التى كانت أكبر جبل قمامة فى مصر.
وحقق جهاز البيئة كجهاز فى عهد أ.د. المحمدى عيد، وأ.د. صلاح حافظ، وأ.د. إبراهيم عبدالجليل إنجازات، ولم يحاول أى وزير لشئون البيئة أن يطلب تحويل الجهاز لوزارة فقد كانت تبعية الجهاز لمجلس الوزراء تعطينا زخماً مع المحافظات والوزارات من منطلق أننا برئاسة مجلس الوزراء لا ننافس الوزارات الأخرى فى عملها، وهو ما حذر منه علماء العالم أن أى وزارة للبيئة تنافس الوزارات تسمى «الوزارة الميتة»، «ministry of Death»، وهو ما لم يدركه وزير البيئة الأخير فى شوقه لاستخدام كلمة وزارة لتكون مسئولة عن الزبالة وعن قش الأرز، وعن عوادم المصانع والسيارات.
وهذا ضد النموذج العالمى للتعامل مع قضايا البيئة، فأمريكا ليست لديها وزارة بيئة وإنما هيئة حماية البيئة، وكذلك السعودية وعدة دول فى العالم، وفى معظم دول أفريقيا يكون وزير الموارد الطبيعية هو وزير البيئة، والإمارات تسند هيئة البيئة لوزير المياه، والكويت كانت تسند هيئة البيئة لوزير الخارجية، وهذه ميزة أن تبقى هيئة أو جهازاً، وليس وزارة ترتبط بهيكل واحد يتعارض مع هياكل الوزارات الأخرى، فهناك عدة وزارات مسئولة عن إنتاج التلوث، «وهم العشرة الملوثون الكبار»، هى وزارات: البترول، والكهرباء، والصناعة، والنقل، والزراعة، والإدارة المحلية، والصحة، وقطاع الأعمال، والإسكان، والرى»، وكشأن كل دول العالم فإن «الملوث يدفع الثمن»، أى هو الذى يقوم بدفع تكلفة إزالة التلوث إدارياً ومالياً، وليس وزارة البيئة، كما يطلب البعض، ولا علاقة لأى وزارة بيئة أو هيئة بيئة بتخفيض التلوث أو الإقلال منه، وإنما هيئات البيئة فى العالم تقيس التلوث وتقترح الحلول والسياسات ولا علاقة لها بأى عمل تنفيذى لخفض التلوث بما فيه خفض القمامة والقش.
ولذلك فإننى مندهش جداً بالحماس الزائد لوزارة البيئة برفض ما جاء فى تقرير مجلة فوربس، الذى تحدث عن تلوث القاهرة بالجسيمات العالقة «PM 10 - PM 2، 5»، فهذا أمر مسلم به بين كل خبراء البيئة أن القاهرة وكل المدن المحاطة بالصحراء فى العالم كله يرتفع فيها نسب تلوث الأتربة، وكان الأغرب أن يقول تقرير وزارة البيئة المصرية إنها وجدت ارتفاع نسبة التلوث بأكاسيد الكربون فقط، وكأن أكاسيد الكربون ليست تلوثاً!!
ولعل هذا التقرير جاء كمناسبة، لكى تراجع الحكومة المصرية كلها، وليس وزارة البيئة، سياستها مع برنامج خفض التلوث، وأن جهاز البيئة ووزيرته لن يقدرا على مراكز القوى فى وزارات المال، مثل البترول والكهرباء والصناعة والشركات الخاصة والكبرى، وهو أمر معروف فى العالم كله، بل إننى أطالب السيد الرئيس برئاسة لجنة عليا وظيفتها فقط خفض التلوث وزراعة الغابات والأشجار، حيث وصل نصيب الفرد فى مصر من الخضرة 0٫6 متر، وهو أرخص وسيلة خفض تلوث فى العالم.
وختاماً: لقد ورط الوزير السابق البيئة وجهازها فى اشتباكات وتداخلات مع وزارات أخرى لا تتحمل مسئوليتها الوزيرة الحالية، فطالما رجوناه أن يبتعد بالوزارة عن الجزء التنفيذى ويرد أن الحكومة مسئولية واحدة، ونرد، نعم، لكن كل فى اختصاصه علينا اقتراح الخطط والحلول وعليهم وحدهم التنفيذ، وكان أكبر الأخطاء نقل جهاز المخلفات من الإدارة المحلية للبيئة، وعلى رئيس الحكومة إعادته فوراً لوزارته الأصلية.