«أن تأتى متأخراً بعض الوقت خير من ألا تأتى أبداً».. حكمة قديمة ترجمها أخيراً المستشار الدكتور محمد ياسر أبوالفتوح، رئيس لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف فى أموال الجماعات الإرهابية، بإعلان التحفظ على نحو 61 مليار جنيه سائلة، بالإضافة إلى أموال 118 شركة و1133 جمعية و104 مدارس و69 مستشفى، تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، ومصادرتها لصالح الخزانة العامة، لتصبح أموال «الدم والإرهاب» فى قبضة العدالة.
قرار اللجنة جاء متأخراً بعض الوقت، إذ ظلت الدولة ملتزمة بإدارة هذه الأموال لصالح المتهمين، إلى جانب توفير الطعام والشراب لعناصر الإخوان الإرهابية فى سجونهم طوال نحو 5 سنوات كاملة -منذ أن لفظهم ملايين المواطنين من تاريخ الوطن بعد سنة كاملة من الاستيلاء عليه بالخداع فى غفلة من الزمن- كما لو كانت تدير «مشروعاً قومياً لتسمين الإرهابيين»!
«ضربة المعلم» هذه التى وجهتها اللجنة جاءت إنفاذاً للقانون، بعد أن كشفت المعلومات والتحريات الدقيقة أن قيادات وكوادر «تنظيم الإخوان الإرهابى» تُجرى إعادة صياغة خطة جديدة لتدبير موارده المالية واستغلال عوائدها فى دعم النشاط التنظيمى كإحدى ركائز دعم الحراك المسلح من خلال قيام التنظيم الإرهابى بإيجاد طرق وبدائل للحفاظ على ما تبقّى من أمواله ومنشآته الاقتصادية، من أبرزها تكليف عناصره بتهريب الأموال السائلة من العملات الأجنبية خارج البلاد من خلال الشركات التابعة للتنظيم وعناصره بنظام المقاصة مع رجال الأعمال المنتمين للتنظيم غير المرصودين أمنياً لتقويض خطط الدولة للتنمية للإضرار بالاقتصاد القومى!
لم تكتفِ قيادات التنظيم الإرهابى داخل البلاد بهذه المؤامرة، بل أخذت تسعى -بالتعاون مع قيادات الجماعة الهاربين بالخارج- لتوفير «الدعم اللوجيستى» والمبالغ المالية بصفة شهرية، للإنفاق على الأنشطة والعمليات الإرهابية التى ينفذها عناصر الحراك المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية وأذرعها بالداخل، المتمثلة فى حركتَى «حسم ولواء الثورة»، وتسهيل حصول هذه العناصر على الأسلحة وتصنيع المتفجرات وتدبير مأوى وملاذ آمن لاختبائهم، وكذلك أماكن لتدريبهم عسكرياً.. بمعنى أن كل جنيه أو دولار من أموال هذه الجماعة كان يُستخدم لشراء رصاصة تخترق صدر أحد مقاتلى الجيش والشرطة أو إعداد متفجرات لتفجير دور العبادة (مسجد أو كنيسة) لإسقاط ضحايا من المدنيين المسالمين، بمن فيهم النساء والأطفال، أو زجاجة مولوتوف لإحراق منشأة اقتصادية وتخريب أخرى مملوكة للمواطنين..!
من المؤكد أن هذا الإجراء سيثير غضباً عارماً من جانب الخونة وأعضاء الطابور الخامس الذين لا يزال بعضهم مندساً بين صفوف المواطنين ليشرخ حنجرته بالرفض لهذا الإجراء ويتظاهر بالتباكى على ما يسميه «الحرية الاقتصادية»، وربما سيتجاوز فى انفعالاته ليحذر من إمكان هروب بقية المستثمرين خوفاً من عودة «شبح التأميم والمصادرة»، الذى ساد سنوات الستينات، إلى واقع حياتنا الحالية.
ولهؤلاء جميعاً أتوجه بهذه الأسئلة: هل من القيم الأخلاقية والحريات الاقتصادية أن يتحمل المواطن -سواء من محدودى الدخل ومعدوميه أو من دافعى الضرائب- نتيجة ممارسات جماعة إرهابية أصابتها لوثة عقلية بعد أن أطاحت جماهير المواطنين بحلمها فى الاحتفاظ بالوطن رهينة عندها، فدفع قياديوها أعضاءها إلى إعمال آلة القتل والإرهاب وإسالة دماء الأبرياء إلى جانب إشعال النيران فى الوطن ومؤسساته، وتناوبوا فيما بينهم الهدم والتدمير، وهو ما كلف الخزانة العامة ملايين الجنيهات، بل المليارات، قيمة الخسائر فى مختلف المحافظات، تحمّلها المواطن فى صورة حرمانه من أى خدمات عامة كان سيتلقاها بقيمة هذه المبالغ لولا حمق هذه الجماعة وشرورها غير المحدودة؟!
وهل من القيم الوطنية والمنطقية أن نقدم لهؤلاء الإرهابيين تلك الرصاصة أو المتفجرات ليلقوا بها فى وجوهنا ليُسقطوا منا شهداء اختاروا الدفاع عن وطنهم وأهاليهم فى مواجهة إرهابيين متخفين وراء لحية وعباءة وكل ما يعرفونه من دينهم الخاص هو إسالة دماء أبرياء كانوا ضحايا حسن نواياهم فاختاروا «شياطين» فى لحظات غادرة ليحكموا وطناً لا يعترفون به ويصفونه بأنه مجرد حفنة من التراب ويتطاول عليه «مرشدهم» ويهدد «عريانهم» بإشعال النيران فى كل مكان إذا لم يعد «مندوبهم الاستبن» إلى القصر الجمهورى مرة أخرى؟!
على كل حال فإن المنطق والعدل يؤكدان ضرورة أن يتحمل مرتكب أى جريمة نتائج جريمته، ولذا فإن مصادرة أموال أثرياء الدم من قادة الجماعة ورموزها هى نتائج جرائمهم بعد أن كشفوا عن وجههم القبيح بالتحريض على القتل والإرهاب وإشعال النيران بزعم إنارة طريق الهداية، وكأنهم لم يكفهم ما فعلوه بنا على مدى عام كامل بعد أن اختطفوا أذهان البسطاء وأوهموهم بأنهم يحملون توكيلاً إلهياً لفرض الإسلام وإخضاعنا لشريعته التى يعرفها جميع أبناء الوطن قبل ظهور هذه الجماعة الإرهابية بمئات السنوات!
واقع المشهد يؤكد أن جماعة الإرهاب لن تكفّ عن إسالة الدماء -إذا وجدت أى فرصة- كوسيلة للعودة إلى موقعها الذى اكتسبته بالزيف والكذب وخداع الآخرين، خاصة من البسطاء، فاختارت الرصاص مفردات لخطابها الإعلامى، وإشعال النيران منهجاً للتفاهم. وبدلاً من أن تمهد الطريق لمستقبل أفضل اختارت أن تحفر قبراً لمحاولة وأد الوطن فيه!
ولن يكتفِ أباطرة الدم من أعضاء هذه الجماعة -رغم وجودهم خلف قضبان السجون- بما ارتكبوه من جرائم فى حق الوطن الذى لا يعرفونه، فيبدو أن كل ما يهمهم هو أن تتضاعف أعداد الضحايا من المختطفين ذهنياً، أو أولئك الذين دفعتهم الحاجة إلى الاصطفاف خلفهم والذين يدفعهم تجار الدم إلى مواجهة الأمن، فربما تنفعهم زيادة أعدادهم فى تحسين موقفهم التفاوضى إن جرى التفاوض معهم فى أى وقت، فالجماعة التى تتمسك -واهمة- فى بياناتها المتلاحقة بما تسميه عودة الشرعية وتدّعى ضرورة إعادة مندوبها الرئاسى إلى موقعه السابق هى أول من سيضحى بهذا المندوب إذا تعارض حلم عودته المستحيلة مع مستقبل الجماعة، إن كان لها مستقبل بيننا!
ولأننا نستهدف بناء وطن يسوده العدل ويحترم دماء شهدائه فلا بد أن نلتزم بتطبيق نصوص القانون على الجميع دون استثناء، وأن يخضع كل من ارتكب جريمة اعتداء على الآخر أو شارك فى أية أحداث دموية أو حرض عليها لتطبيق أحكام القضاء -الذى قال كلمته فى جرائمهم- بصورة عاجلة حاسمة تقطع يد كل من يحاول إشعال نيران الفتنة ويهدد وطن ومستقبل أمة.. ولك يا مصر السلامة دائماً.