فى الربع الأخير من العام الماضى هاجت نقابة الأطباء وماجت وهدد مجلسها بالويل والثبور وعظائم الأمور لو نفذ وزير الصحة وقتها د. أحمد عماد ما أعلنه من تدخل لإصدار لائحة أسعار استرشادية للخدمات الطبية فى المستشفيات والعيادات الخاصة، التى وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية فى غياب أى قواعد، وأصبحت تمثل عبئاً كبيراً على المرضى.
وقتها أعلنت النقابة فى بيان رسمى أنها المختصة بحكم القانون بمسألة تحديد أسعار الخدمات الطبية الخاصة وهددت بأنها لن تصمت إذا تجاوز الوزير واشتبك مع الأمر باعتبار ذلك تدخلاً من الحكومة فى شئون النقابة ووقتها أيضاً أعلنت النقابة أنها بصدد تنظيم مؤتمر ضخم بدأت فعلياً الاستعداد له لإعلان لائحة أسعار استرشادية.
الحال، بعد ما يقرب من عام كما هو، أعداد كبيرة من الأطباء تستبيح المرضى وتحيل العلاج إلى «بيزنس» وبلغت الأسعار أرقاماً لم نسمع عنها من قبل وتحولت المتابعات إلى فحص جديد برسم جديد واتفاقات مع مراكز للتحاليل والأشعات، ومثلها مع صيدليات لتوجيه المرضى لهم، وشركات أدوية تمنح هدايا وخلافه مقابل تسويق الدواء للمرضى وغيرها، أما فى المستشفيات فحدث ولا حرج عن أسعار الخدمات وعن الفواتير وما تتضمنه من بنود غريبة؛ قطن وشاش وأربطة ومطهرات وحقن ومسكنات، وأشياء أخرى كثيرة لا تدريها حتدفعها حتدفعها.
النقابة فى ما يبدو تلتزم المثل الشعبى القائل «كلام الليل مدهون بزبدة يطلع عليه النهار يسيح»، فقد انتهى العام وشارفنا على انتهاء العام التالى ولم نسمع عن المؤتمر ولا عن مناقشات فى النقابة لحقوق المرضى ولم نر منها موقفاً صلباً قوياً عنيفاً لحماية حقوق المرضى كما شاهدنا من بيانات وإضرابات واعتصامات فى مواجهة الحكومة لأمور تخص مصالح الأطباء.
بالقطع النقابة لحماية مصالح أعضائها، إنما بعض النقابات لها دورها المجتمعى كما نقابة الأطباء، خصوصاً أن قسَم «أبوقراط» فى معناه العميق يفرض عليها ممارسة هذا الدور لكن للأسف يبدو أن حماية الأهل والعشيرة وأصوات الانتخابات أهم وأبدى من حماية الشعب المصرى وما يتعرض له من استنزاف لدخوله المحدودة.
يقول بعض الأطباء هذه مهنة كغيرها من المهن الهادفة للربح، ووضع قائمة أسعار استرشادية سيؤدى لامتناع البعض وربما يحدث انهيار فى الخدمات بالبلد، والحقيقة هو منطق خطير أن تخلط بين أحقيتك فى الربح من عملك وبين استباحة المرضى وتوظيف المرض لتحقيق الثراء ولا ترحم ولا تسمح لغيرك بإضفاء الرحمة، وأقصد الحكومة التى لم نسمع من الوزيرة كلمة واحدة عن هذه المشكلة.
الطب مهنة لا ينطبق عليها قاعدة «اللى مامعهوش مايلزموش» وإلى أن تتحسن الخدمات الحكومية سيظل المواطن بين مطرقة النقابة وسندان الأطباء.