اختلفت الروايات حول مكان دفن رأس الحسين، فمن المؤرخين من يذهب إلى أن «يزيد» بعث به إلى عمرو بن سعيد، نائب المدينة، فدفنه عند أمه (السيدة فاطمة رضى الله عنها) بالبقيع، وهناك من يقول إن الرأس ظل فى خزائن «يزيد» حتى تم دفنه بدمشق بمنطقة «باب الفراديس». والحديث عن احتفاظ «يزيد» بالرأس لا يتسق مع العقل، والأرجح أنه تم دفنه مباشرة بالمسجد، الذى عُرف فيما بعد بمسجد الرأس. يقول «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»: «وادّعت الطائفة المسمون بالفاطميين، الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، الذى يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة. وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروّجوا بذلك ما ادعوه من النسب الشريف، وهم فى ذلك كذبة خونة».
لست أظن أن «ابن كثير» محق فيما ذهب إليه، لأن من المعلوم أن الفاطميين سيطروا على الشام والحجاز، وكان من الطبيعى أن ينبشوا القبر الشريف، وينقلوا رأس الحسين إلى مركز حكمهم بالقاهرة. أما تشكيك «ابن كثير» فى مسألة نقل رأس الحسين إلى مصر من زاوية أن الفاطميين ادعوا ذلك حتى يروجوا -زوراً- لنسبهم إلى البيت النبوى فقد تكفل «ابن خلدون» بالرد عليه فى مقدمته، حين أثبت بما لا يدع مجالاً للشك نسب الفاطميين إلى «إسماعيل بن جعفر». دعنا ننتقل الآن إلى ما حكاه المقريزى فى «خططه» حول نقل الرأس الشريف إلى القاهرة.
يذكر «المقريزى» فى خططه أن رأس الحسين كان مدفوناً بعسقلان، ويقول: «فى سنة 491 هـ، وفى شهر شعبان، خرج «الأفضل» بعساكر جمة -كما يصف المقريزى- إلى بيت المقدس، وكان عليها عساكر كثيرة من الأتراك، رفضوا التسليم له، فقاتلهم قتالاً شديداً ونصب المجانيق وهدم جانباً من المدينة، فلم يجد حكامها بُداً من الاستسلام له، فملك القدس ودخل عسقلان، وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن على، رضى الله عنهما فأخرجه وعطّره وعمّر المشهد، فلما تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشياً إلى حيث أحله فى مقره، وقيل إن المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالى، وأكمله ولده الأفضل. وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ووصوله إليها فى يوم الأحد الثامن من جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة». يشير «المقريزى» عبر هذا النص إلى أن الرأس الشريف كان مدفوناً بعسقلان، وهو أمر وارد، فى سياق ما تقرره العديد من الروايات التاريخية من أن رأس الحسين حُمل إلى «يزيد» فى الشام، وأن الأخير قام بدفنه حيث يحكم. والظاهر أن أمير الجيوش بدر الجمالى، وزير المستنصر، هو من أقام المشهد بعسقلان، وأن «الأفضل» أكمل ما بدأه أبوه.