يلزم الآدمى أن يفطن إلى أن الزهو أو الغرور بغير سند حقيقى يشهد له ويبرره (أحياناً) ليس إلا ضيق صدر وعقل لا يليق بإنسان واعٍ راقٍ متحضر حضارة عارفة عاقلة، فلن يُرجى لأى حضارة إنسانية نجاح تَفْضُل به ما سبقها ما لم يفطن غالب البشر، بفهم وعقل وعزم وإصرار وحماس، إلى أن مستقبلهم أجدر بالتأمل والنظر والاعتبار من «الماضى» الحافل بالأوهام والخيالات والأحلام والأحقاد والضغائن والخسائر والكوارث والمجازر والمعارك!!
قد يصدق علينا ما قاله الشاعر: كلنا فى الهم شرق! فلو سألنا جميعاً أنفسنا فى صدق وصراحة عن نصيب أى منّا من الزهو أو الغرور، لوجدنا أنهما يغمران كياننا من أخمص القدم إلى شعر الرأس!.. فنحن جميعاً غرقى فى الزهو والغرور، وفى خدمتهما والإغراق فيهما وحمايتهما!
أخطر وأصعب ما يصادف الإنسان والإنسانية، فى زماننا، شيوع القلق وفقدان الأمان فى دنيا صارت مليئة بالصراعات والمخاوف والأهوال!.. يبتعد الآدمى عن الأمان المنشود، حين لا يفطن إلى أن الأمان الحقيقى من داخله وإليه، وأن هذا «الداخل» هو الذى تعرض للنحر والتراجع والتآكل إزاء زحف «ماديات» الحضارة الحديثة المهولة والمذهلة.. أعطت الإنسان ما لا حصر له، لكنها أخذت منه الكثير.. ليس يُخشى على الحضارة الحالية من تراجع أو توقف أدواتها، فهى فى تزايد متلاحق سريع لا ينى ولا يهدأ، وإنما الخشية الحقيقية هى على روح وداخل وأمان الإنسان.
الحرية هبة ربانية تولد مع الإنسان، والقيود من صنع الناس.. وكذلك الاستعباد!!
الحب صلة ورباط متبادل بين الآباء والأبناء، ولكن حب الأبناء أنانية وحب الآباء عطاء!
الروحانية هى الجانب المتطلع إلى المثل الأعلى فى الديانات بعامة، لذلك قيل إن الروحانية أكثر نبلاً من التقوى.. لأن ما يحقق وجودنا ويجعل له قيمة هو فقط ما يجعل لمصدر وجودنا قيمة.. فلا قيمة لنعمة الوجود، إلا إذا كان الوجود خيراً!
الروحانية غاية داخلية وثبات فى العاطفة يعرف ماذا يأخذ وماذا يدع فى عالم ينثر علينا شيئاً من سكينته هو وسلامه هو.. يسلك طريقه فى المحيط ومعالمه.. لا يغريه شىء أن يشرد، وتملؤه الثقة فى أنه يستطيع فى كل وقت أن يمضى على الطريق!
انظر إلى زنابق الحقل، لأن سر الروحانية له ذات البساطة التى فى صناعة زنابق الحقل.. يضاف إلى ذلك أن الروحانية قد وفقت إلى الوعى والإدراك دون إرباك الغريزة!
دنيا البشر الآن، بكل ما نعرف من رقيها وعظمتها وضخامة حركتها الهائلة الدائبة ليل نهار فى البر والبحر والسماء، هى فى أكثرها دنيا أحلام مبهرة مشجعة، وقد تكون مسكرة تتجاهل وتغضى عما فى الواقع الحاصل من حزن ومرارة وقسوة وتعاسة وهلاك!
فى طبيعتنا ما نسميه «الأضداد المتعاقبة».. فالتعب يعقبه الراحة، والحزن يختفى مع الوقت أو بمجىء السرور، والجهد ينتهى بالاسترخاء... وتعود الساقية فى الاتجاه العكسى، وهكذا تسير حياتنا طرداً وعكساً وعكساً وطرداً.
مكمن الخراب والدمار للجماعة البشرية، ليس مجرد وجود العداوات هنا وهناك.. هذه الجماعات يلحق بها ما يلحق بالأفراد، فيصيبها الاختلاف وأحياناً التضاد، إنما مكمن انتشار العداوات واشتهارها هو عدم وجود القادرين على كبح جماحها وردها على أعقابها.. فهنا تتجمع أمارات أكيدة لخراب عاجل يدفع ثمنه المحسن قبل المسىء والشريف الفاضل قبل الوغد ويقتضى علاجه فى الجماعة عشرات السنين، ربما كان فى مقدورها تفاديها لو التفت الملتفتون وتنبهوا حين كان ذلك مجديا نافعاً!
من حق الكائن الحىّ الذى راقب ويراقب البشر، فى ماضى مَن مضى وحاضر من حضر أو لم يحضر بعد، أن يتشكك فى كمال استعداد الماضين والحاضرين والآتين للقصد والإنصاف.. أفراداً أو جماعات.. هؤلاء إنما يرجون «الإنصاف» لأنفسهم بعضهم من بعض، فإن فاتهم الإنصاف طلبوه وأملوه فى الحظ الحسن من الأقدار والنصيب، ما دام الإنصاف فيما بينهم قد صار غاية صعبة نادرة جداً جداً حتى الآن!
الله سبحانه وتعالى يوحى إلى الناس بمشيئته المنظورة من خلال الحوادث، وقليلة هى الأذهان التى تلتقط الإشارة وتفهم اللغة الإلهية!
الجسد بحاجاته وإشباعاته وحرماناته ولذّاته ومتاعبه وآلامه. يكتتب بمعظم رأس مال الحياة الآدمية الطبيعية والعاطفية والعقلية، ويحمل معظم الخسائر والأرباح إِنْ كانت للحياة الآدمية أرباح!
من اللطائف أن الله أجرى العادة بخلق الحياة فى القالب، ما دامت الأرواح فى الأبدان.. فالإنسان حى بالحياة، ولكن الأرواح مودعة فى القوالب.. ولها ترقٍّ فى حال النوم، فتصعد من البدن، ثم ترجع إليه. والإنسان هو الروح والجسد، فالله تعالى قد سخر هذه الجملة بعضها لبعض.
لا يشك متأمل عاقل، الآن وقبل الآن وفى آتى الزمان، فى أن «الأنانية» بعد بداياتها الأولى لإيقاظ العقل، تصير محض انحناء والتواء ينبغى على العقلاء التخلص منهما لا التمسك بهما بالانحناء والالتواء على النحو المغرق الذى يجرى عليه معظم الناس فى اعتزاز واعتداد!
مع أن المساجد عامرة، والحمد لله، بالمصلين والركع السجود، اللائذين إلى الله، المهاجرين إليه بالدعاء والابتهال، فإنه قد يندر -إن لم يندر جداً جداً- من يتذكر الآخرة ذكراها العميقة الواعية الجادة.. ربما لأن كثيراً من الألسنة اللاهجة بالذكر والدعاء لم تتجاوز دنيانا خطوة واحدة! لأننا بكل تأكيد أهل دنيا فقط دماً ولحماً، عقلاً وعاطفةً، جادين ولاهين!
الإنسان هو المخلوق الوحيد بين جميع الكائنات الذى نيط به رعاية الصلة بين الأرض والسماء!
إذا مات القلب تعذر على صاحبه الشعور بالمعاصى!
إذا استقام الإحساس بالافتقار إلى الله، صح الغنى به!
يطلب الناس «الوسائل» بإصرار كما لو كانت هى الغايات.. وهذا هو الذى أدى إلى حلول ادعاء العلم محل الحكمة، وحلول الطغيان محل الحكم، والخرافة محل الأخلاق، والتفاصح محل الأدب والفن!
الشمعة التى تذوب أمام أيقونة لن تمنع سوء الحظ، ولكنها تشهد وجود أمل صامت، أو تخفف لواعج حزنٍ بالتعبير عنه، وقد تلطف قليلاً من مرارة الإحساس بالعجز التى ربما أحرقت عقلاً يعى الانتظار المادى دون أن يعى سلطان الروح وقوتها!
القامة العظيمة هى حصاد ألم عظيم!
الألم هو المربى الأكبر للإنسان.. يكبر معه ويشتد معه!!
ما أشر وأبأس ألا يعظ نفسه من يتصدى لموعظة الناس!
من تذكر حلاوة الوصال والقربى إلى ربه، هانت عليه المجاهدة!