ولد الإمام جعفر الصادق سنة 80 هجرية، جده زين العابدين على بن الحسين إمام المدينة كرماً ونبلاً وعلماً، وأبوه محمد الباقر وريث آل النبوة فى إمامة الدين والعلم، الذى كان ينصح ابنه «ما دخل قلب امرىء شىء من الكبر إلا نقص من عقله مثلما دخله»، وقوله «إذا رأيتم العالم يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا وإذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص».
أما أمه فهى حفيدة أبى بكر الصديق وابنه القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة، وبذلك انتسب من جانب أبيه إلى شجرة النبوة ومن جانب أمه إلى الصديق العظيم فالتقت فيه خصال النبوة وشجاعة على وأناة الصديق.
درس كل علوم الشريعة ودرس معها علوم الكون وتلاميذه فيهما أكثر من أن تحصر ومنهم جابر بن حيان عالم الكيمياء، سمى بالصادق لصدقه، سار على نهج أبيه وجده فى اعتزال السياسة، فلم ينازع أحداً فى الحكم، قال عنه الشهرستانى «من غرق فى بحر المعرفة لم يطمع فى شط ومن علا إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، ومن آنس بالله استوحش من الناس»، ورفض خروج العلويين على الحكام وقتها، لأنه يؤدى إلى الفتن والفوضى، وأن فوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب فى استبداد سنوات، وقد عايش ذلك بنفسه.
رفض فكر الشيعة الذين غالوا فيه وفى على وأسرته، وقاوم فكر الخوارج فالغلو شر لا يقل عن شر التقصير والاستبداد.
وكانت جل إقامته بالمدينة، فقد التزم مثل أبيه وجده جوار رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ووجدوا فيه معتكفاً ومعتصماً، لم يزر العراق إلا مرات بطلب العباسيين إما تكريماً أو اتهاماً وظناً، وقد أجمع العلماء على إمامته وأخذ منه وعنه مالك وسفيان بن عيينة والثورى وأبوحنيفة رغم تقاربهم فى السن، وكان الصادق يجمع بين علم أهل المدينة وفقه الرأى والقياس، وروى عنه أبوحنيفة وكان يهابه ويجله، ويراه أعلم الناس باختلاف العلماء وكذلك مالك، فمن كان له فضل الأستاذية على أبى حنيفة ومالك فحسبه ذلك.
ويعد الصادق سادس الأئمة من آل على ابن أبى طالب، وكان الصادق عالماً بالأخلاق لإشراقة روحه وكثرة تجاربه وصفاء نفسه رغم اضطراب الدنيا من حوله.
وله مناظرات رائعة مع أبى حنيفة والفقهاء تارة، وفى دحض الزنادقة والملحدين أخرى، ومع الخوارج وغلاة شيعته مرات، أظهر فيها الحق والصواب بأيسر سبيل وأوضح حجة.
ومن صبره أنه مات له ابن فدعا قائلاً «لئن أخذت فقد أبقيت ولئن ابتليت فقد عافيت»، وأقسم على نسائه ألا يصرخن، وقال بعد أن واراه التراب «إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا فإذا أنزل ما نكره فيمن نحب رضينا»، وكان يردد «إذا بلغك عن أخيك شىء يسوءك فلا تغتم فإن كنت كما يقول كانت عقوبة قد عجلت لك وإن كنت غير ذلك كانت حسنة لم تعملها».
وكان يدعو لمن يشتمه، ويعيب على من ينتقم من خصمه ويرى أنه ضعف وأن القوة فى العفو، أما حكمته التى توقفت عندها طويلاً «إياكم والخصومة فى الدين فإنها تحدث الشك وتورث النفاق»، فالجدال فى الدين يورث حب الانتصار على الآخر بالحق أو غيره، والحق يضيع وسط ما تثيره الخصومات من اللجاجة والكراهية والعداء، وهذا غير اختلاف الفقهاء فى استنباط الأحكام.
ويعد المذهب الجعفرى من أوسع المذاهب الفقهية الإسلامية انتشاراً، والشيعة الاثنا عشرية تحاول أن تنسب نفسها لآل البيت عن طريق نسبتهم للإمام الصادق الذى لا ينتمى لفكر الشيعة على الإطلاق، وهم ينسبون إليه أقوالاً لا تصح نسبتها إليه لدعم مذهبهم الدينى والسياسى، ولو تم الفصل بين فقه الصادق والأفكار السلبية للشيعة الاثنا عشرية لاستفاد الفريقان، فلم يعرف آل البيت مثلاً مذهب التقية ولا سب الشيخين «أبى بكر وعمر»، فالأول هو جد الصادق ولا الطعن فى عائشة «أم المؤمنين» لأنها خالته.