خبر لافت نشره موقع جريدة «المصرى اليوم»، نقلاً عن صفحة المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق. الخبر يقول إن إسرائيل تنوى إطلاق باقة قنوات تتكون من 24 قناة تليفزيونية متنوعة ناطقة باللغة العربية، وإن هناك تحركات مريبة تتم حالياً داخل مصر، لشراء أرشيف الدراما المصرية من القطاع الخاص، وعروض مغرية لمنتجين مصريين متوقفين عن الإنتاج، لتنفيذ دراما مصرية تنتج حصرياً للعرض على قنوات غير مصرية!. الخبر نُشر منذ عدة أيام ولم أقرأ أو أسمع عن أى تعليق عليه من جانب المجلس الأعلى للإعلام، أو الهيئة الوطنية!.
يحدث هذا بالتزامن مع الذكرى الأربعين لتوقيع معاهدة كامب دافيد (سبتمبر 1978)، حين بدأت رحلة الغزو الإسرائيلى الناعم لمصر فى مجالات عدة شملت الزراعة وتوقيع اتفاقات اقتصادية وغير ذلك. ويبدو أن صانع القرار الإسرائيلى يشعر بأن الفرصة مواتية الآن لغزو العقل والوجدان المصرى، عبر اقتحام سوق الفضائيات التى أصبحت خالية من قنوات تليفزيونية مصرية مؤثرة، وكذلك من خلال صناعة الدراما التى تعانى من مشكلات لا حصر لها. الأرض الخالية تُغرى بوضع اليد عليها. وخريطة الإعلام المصرى الآن تعانى من قدر لا بأس به من التصحّر. فليست لدينا قناة إخبارية مؤثرة، وبعض القنوات جرّبت نفسها فى إنتاج رسالة إعلامية ترفيهية وعجزت، لأن صنّاعها «دمهم تقيل»، والقنوات الدرامية التى تتزاحم على خريطة الفضائيات لم يعد أمامها سوى المسلسلات القديمة، بعد أن أصبحت الدراما الجديدة تُغرّد خارج العقل والوجدان المصرى، ولا تُبصر فى الواقع المصرى غير جانب البلطجة والبلطجية.
حالة التصحّر التى يعانى منها الإعلام المصرى حالياً هى التى دفعت الإسرائيليين إلى اختيار هذا التوقيت لغزوه. الإسرائيليون تجار «شاطرين»، وهم يعلمون المكاسب المالية التى يمكن أن تعود عليهم من «بيزنس الإعلام والدراما»، المستثمر الإسرائيلى لا يشترى بهدف التجميد، بل بهدف التشغيل الذى يؤدى إلى تحقيق المكاسب، هذا من الناحية الاقتصادية. ومن الناحية الفكرية والثقافية، فالفوائد التى ستعود على إسرائيل لا تُعد ولا تحصى. فسوف تصبح «تل أبيب» مصدراً من مصادر تشكيل الفكر والوجدان فى مصر. والقنوات الجديدة فيها قنوات تخص الكبار، وأخرى تهتم بالأطفال، مما يعنى أنها ستخاطب كل الأجيال. وفى إطار الباقة الإسرائيلية الجديدة توجد قناة إخبارية، ولعلك تتفق معى فى أن مثل هذه القناة يمكن أن تحظى باهتمام الجمهور المصرى، فى ظل حالة الجفاف الإخبارى المسيطر على المشهد الإعلامى.
أى دراسة تجرى على الجمهور المصرى حالياً سوف تكشف عن حجم انصراف المشاهدين عن القنوات الإخبارية وبرامج التوك شو «المتكتكة» على القنوات العامة!. وللأسف الشديد من ينصرف من هؤلاء عن الإخباريات المصرية لا يجد غضاضة فى متابعة القنوات الإخوانية، رغم أنها لا تقدم إعلاماً بالمعنى الحقيقى، بل صراخاً وتحريضاً، لكن البعض يجد فيها مساحة للتنفيس.. ومع دخول الإسرائيليين إلى المشهد الإعلامى سوف يصبح المشاهد المصرى فريسة لإعلام الإخوان من ناحية وإعلام اليهود من ناحية أخرى.. وكسبنا صلاة النبى صلى الله عليه وسلم.