لا بجد؟! هل نحن مصدومون حقيقة من أولياء الأمور الذين أمضوا ليلتهم أمام باب المدرسة، أو هرسوا بعضهم بعضاً هرساً حتى يقتحموا بوابات المدرسة ويغزوا فصول الدراسة ليؤمّنوا جلوس أبنائهم الطلاب والطالبات فى الصفوف الأولى؟
فعلياً فوجئنا بطريقة خروج الصغار من أبواب المدارس حيث جموع غفيرة تصارع الزمن لتدلف إلى الشارع وتكاتك غزيرة، و«ثمانيات» كثيرة، و«ميكروباظات» عديدة تنتظر وهى تسد الشارع رغم أنوف الجميع لتنقل الجيوش الهادرة إلى بيوتها؟ وهل نحن متعجبون بالفعل من الطفل الباحث عن ربع ساعة لينام «يا حاجّة»؟! وهل نحن حقيقة متعجبون من طريقة رد «الحاجّة» التى لا تختلف مخارج ألفاظها كثيراً عن الصغير؟ وهل نحن مندهشون من قَصة شعر الصغير واللون البرتقالى الزاعق الواضح على عُرف الديك أعلى رأسه؟!
رؤوس الموضوعات التى يتحدث عنها البعض فى مصر هذه الساعات لا تخرج عن «الولد بتاع عايز أنام يا حاجّة» و«طريقة رد الحاجّة»، ومشاهد أولياء الأمور وهم يقفزون على بوابات المدارس لتأمين الصف الأول للصغار، وطريقة خروج التلاميذ بعد انتهاء سويعات اليوم الدراسى وكأن غزواً فضائياً يرج أنحاء المنطقة، ومظهر الصغار غير المطابق لمعايير الأيزو التى لم تعد موجودة إلا لدى قلة قليلة من المصريين، بالإضافة إلى «نقاب» المعلمات والبعض من التلميذات ما يعنى للبعض خيراً ونماءً ونصرة للدين ضد أعدائه، وللبعض الآخر خيبة وتدهوراً ونصرة للظلام والسواد وغرابيبه!
«غرابيب سود فى مدارس مصرية فى القرن الـ21»! هذا ما كتبه صديق عائد إلى أرض الوطن بعد عقود طويلة فى بلاد تسير فى اتجاه يختلف قلباً وقالباً عنا. حذرته من أن ما كتبه -حتى وإن كان على صفحته الشخصية- سيعرضه للهبد والرزع، والقيل والقال، وربما لدعاوى التكفير وقضايا الردة ونصوص ازدراء الدين.
فما حدث وجرى فى مصر ولها خلال سنوات يعادل ما جرى فى دول أخرى على مدار قرون. والمشاهد التى نتداولها فيما بيننا -سواء من قبيل الضحك والسخرية، أو البكاء والعويل، أو التندر والتفكر- فى مناسبة بدء العام الدراسى المدرسى ما هى إلا تلخيص لما ضرب مصر والمصريين.
المصريون والمصريات من أولياء الأمور الذين اعتبروا أقصى درجات التربية وأرقى أنواع التنشئة أن يقتحموا الحرم المدرسى ليضمنوا مقعداً فى الصف الأول للمحروس الصغير، والذين لا يرون عيباً أو جرماً أو حتى حرمانية (بما أننا شعب متدين بالفطرة وملتزم جداً) فى أن يتدخلوا فيما لا ينبغى أن يتدخلوا فيه.
نعم غالبية. هذه الغالبية هى نفسها من تقود فى شوارع المحروسة قيادة جنونية، وتكسر على من حولها، وتُجلس أطفالها على حجرها أمام مقود السيارة، وتزاحم كبار السن من أجل أولوية ركوب المترو والباص، وتبصق على الطريق، وتقضى حاجتها على عمود الإنارة، ولا مانع أبداً من استخدام ألفاظ خارجة لوصف الأشياء ونعت الأشخاص.
هذه الغالبية أيضاً هى من تهرع لتصلى الفرض فى المسجد، وتعترض حين تقرر وزارة الأوقاف عدم استخدام مكبرات الصوت، وترى فى فرش سجاجيد الصلاة فى عرض الطريق نصرة للدين، وتعارض أى محاولات للتنوير أو التطهير أو حتى إزالة الأتربة التى ترسبت على العقول.
الشعب الذى لم ولن يستمع لدعوات الفصل بين الدين والدولة، ويرى فيها فسقاً وفجوراً وتهديداً للدين وهجمة كافرة على الدولة التقية المؤمنة، يضع خطوطاً فاصلة عميقة غائرة جائرة بين مظاهر تدينه الجارفة وبين حياته اليومية.
إدارة المدرسة التى سمحت لنفسها أن تطالع تلاميذها فى العام الدراسى الجديد بعبارة «ثواب الآخرة خير من نعيم الدنيا» تعكس فكراً يميل إلى اعتبار الموت دائماً وأبداً الهدف الأسمى فى الحياة. وحتى فى حال كانت العبارة تعنى العمل من أجل الآخرة، فهل هذه عبارة تناسب النشء الذى يفترض أنه مقبل إلى المدرسة من أجل التعلم والابتكار والإبداع والاختراع فى القرن الـ21؟!!
وبعيداً عن فهم ما جرى فى مصر التى كانت جميلة بفكرها وفنها وثقافتها ومظهرها حتى عقود ستة مضت، هل نحن بالفعل فوجئنا بهذه المشاهد «العادية» جداً المصاحبة لبدء العام الدراسى الجديد؟
يؤسفنى القول بأن مَن تفاجأ هو إما منفصل عن الواقع أو ناكر له أو يعرفه لكن يتظاهر بعدم المعرفة.