واقعتان حدثتا بمدرستين بمصر مع بدء العام الدراسى تكشفان لك الخلل فى التعامل مع قضايانا، والتى تتصدرها قضية التعليم. الأولى هى واقعة «ربع ساعة يا حاجة»، التى كان بطلها الطفل «محمد»، الذى صوّره أحد المعلمين، وهو يبكى متضرعاً إلى معلمته كى تمنحه فرصة للنوم «ربع ساعة». وأكد ولى أمره فيما بعد أنه كان يعانى كسراً بقدمه ويتناول علاجاً يؤدى إلى الرغبة فى النوم. أما الواقعة الثانية، فنشرها موقع جريدة «الشروق» وتكشف عن قرار اتخذه وكيل وزارة التربية والتعليم بالقليوبية بإقالة مدير مدرسة «الدير الإعدادية»، وإحالته للتحقيق بعد تصويره طلاب مدرسة «الشهيد عبدالله أشرف الابتدائية» وهم يفترشون الأرض، بسبب عدم وجود مقاعد.
واقعة الطفل «محمد» حظيت باهتمام ساحق من جانب رواد التواصل الاجتماعى الذين تشاركوا مع المعلم الذى قام بالتصوير فى السخرية من الطفل البرىء، وهو يرجو «الحاجّة المعلمة» منحه فرصة النوم لمدة ربع ساعة «ويعمل اللى هى عاوزاه بعد كده»!. نشطت أيضاً الجمعيات الحقوقية فى الحديث عن الواقعة، وطالب المجلس القومى للطفولة والأمومة بالتحقيق فى واقعة نشر وتصوير الطفل، وذلك بما يخالف قانون الطفل، والذى يحظر تصوير أو نشر أى مواد إعلامية تحتوى على مشاهد مسيئة للأطفال أو التشهير بهم. وسائل الإعلام شمّرت هى الأخرى عن ساعديها، ونشطت فى إجراء المداخلات مع أهالى الطفل، ثم فى إجراء الحوارات مع الطفل نفسه. ولم يفوت المتحدث باسم وزير التربية والتعليم الفرصة حيث شارك بالتعليق، وأكد أن الوزارة منتفضة من أجل البحث عن مصور الفيديو، ثم أعلنت الوزارة العثور على المعلم، الذى قام بالتصوير بخصم 10 أيام من المرتب، وخصم 5 أيام من مرتب المعلمة التى ظهرت فى الفيديو.
الإجراء اتخذ ضد مدير المدرسة، الذى التقط مجموعة من الصور لأطفال ابتدائى وهم يجلسون على الأرض، فتمت إقالته وإحالته للتحقيق. وقد كثرت الصور التى تكشف عن حالة التكدس داخل الفصول والتدافع داخل المدارس والتزويغ من فوق الأسوار مع مطلع العام الدراسى. هذه الصور لم تلفت انتباه المؤسسات الحقوقية، ولم يطالب المجلس القومى للأمومة والطفولة بالتحقيق فيها، ولم تهتم بها وسائل الإعلام، ولا حتى مواقع التواصل الاجتماعى إلا قليلاً، رغم أن هذه المشكلة تخص عشرات الآلاف من الأطفال بقرى ونجوع مصر، وليس طفلاً واحداً بكى لأنه يريد أن ينام، ولم تعطه معلمته فرصة لذلك، خوفاً من أن يفوته «العلم اللدنى»، الذى تقذفه فى أذنه، وآذان زملائه!.
القاسم المشترك بين الواقعتين هو التصوير، لكن الاهتمام بالتصوير الذى يكشف مشكلة تخص آلاف الأطفال كان خافتاً، وكأننا نريد التستر على المشاكل، أما التصوير الذى ينقل «القفشة» والنكتة فأثار الاهتمام، رغم أنه يخص طفلاً واحداً، لأنه يخدم «سياسة الزفة» والتمويه على المشاكل وعلى حقوق الطفل وعلى أوضاع المدارس والتعليم وعلى قصة التطوير وغير ذلك، ويبدو أن هناك اتفاقاً ودياً بين كل الأطراف الإعلامية والوزارية والحقوقية فى مصر على تغليب موضوع «الزفة» على ما عداه، فوسط الأصوات الصاخبة عادة ما يتوه «الأداء النشاز»!.