يوم الجمعة الماضى، وتحت شعار «عيشها بسعادة»، نظم مجموعة من أهالى «البراجيل» -بالقرب من الجيزة- سباقاً تنافس فيه 35 حماراً، وكوفئت الحمير الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى بـ«شوال درة» لكل حمار، أما أصحابها ففازوا بجوائز متنوعة شملت موبايلات وكؤوساً وميداليات. هذه ليست مزحة، إنما هو خبر حقيقى. وليست تلك هى المرة الأولى التى تنظم فيها مثل هذه المسابقات داخل قرى مصر ونجوعها. أهالينا فى الريف المصرى يبحثون عن أى لحظة سعادة واستمتاع بالحياة، شأنهم فى ذلك شأن أهل المدن، وإذا كان المراهقون والشباب بالمناطق الحضرية أحياناً ما ينخرطون فى سباق سيارات قد تتسبب فى كوارث، فإن أهل الريف يلجأون للترفيه بوسيلة تبدو أكثر أماناً: «الحمير».
«سباق الحمير» من أقدم أنواع السباق فى مصر، ويعود الفضل فى اختراعه إلى جنود الحملة الفرنسية، حين كانوا يبحثون عن وسيلة للترفيه، وكسر الملل الذى أخذ فى التسرب إليهم بعد بضعة شهور من وجودهم فى مصر. يصف «الجبرتى» مشهد صعود «الحمير» فى الحياة المصرية بقوله: «وأما أرباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمّاراً مكارياً حتى صارت الأزقة، خصوصاً جهات العسكر -يقصد عسكر الحملة- مزدحمة بالحمير التى تكرى للتردد فى شوارع مصر فإن للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة فى الأجرة بحيث إن الكثير منهم يظل النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى أن يجرى به مسرعاً فى الشارع، وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون الحمير ويجهدونها فى المشى والإسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم المكارية فى ذلك».
المسافة الزمنية الفاصلة بين أول سباق للحمير نظمه الفرنسيون وسباق البراجيل يوم الجمعة الماضى تبلغ 220 عاماً كاملة، وما زالت الحاجة إلى البحث عن أى شىء يسعد القلب ويخرجه من ملل الحياة قائمة. فأهالى البراجيل الذين أخذوا يتضاحكون ويتصايحون وينكتون ويسخرون، لا يختلفون كثيراً عن الفرنسيين ومكارية مصر قبل أكثر من قرنين، حين كانوا يغنون ويصيحون ويضحكون ويتمسخرون. حاجة الإنسان إلى كسر الملل والشعور بالسعادة ثابتة على مدار الزمن، وبغض النظر عن جنسيته. المهم أن يحاول أن يسعد نفسه ولو بأبسط الأدوات والأشياء.
المهم فى كل الأحوال ألا ينقلب البحث عن السعادة إلى سبب للأحزان. أحياناً ما كان يحدث ذلك خلال سباقات الحمير التى اهتم جنود الحملة الفرنسية بتنظيمها. فالمصريون البسطاء لم يكونوا فى مأمن من «جرى الحمير»، وأحياناً ما كان يدهس أحد الحمير المسرعة مواطناً، ليلقى حتفه أو يصاب تحت حوافره. هذا الأمر كان يقلب مشهد البحث عن السعادة إلى سبب للتعاسة. وعندما كثر إيذاء الفرنسيين للمصريين فى هذه السباقات، انتفض الناس فى وجه الفرنسيس، وكانت هذه الحوادث من الأسباب التى دفعتهم إلى القيام بثورة القاهرة الأولى عام 1798، حين شعر المصريون أن الفرنسيين يستخفون بأرواحهم. من المؤكد أن هناك أسباباً عديدة تراكمت ودفعت المصريين إلى هذه الثورة، لكن ما يؤكده أحد ضباط الحملة فى مذكراته أن «دهس المصريين بالحمير» كان واحداً من أسباب الغضب.. فليس أصعب على الإنسان من أن تأتى نهايته تحت حوافر «حمار»!