الإسكندرية.. الركوب على «عفريتة» خط أبوقير.. «فن وخبرة»
شباب يضطرون لركوب جرار قطار أبوقير هرباً من دفع ثمن التذكرة أو بسبب الزحام
قطعة حديدية لا يتحاوز عرضها 40 سنتيمتراً كفيلة بحمل 10 أشخاص وأكثر على جرارات قطارات خط أبى قير بالإسكندرية، وأبواب القطار ليست مخصصة فقط لنزول وصعود الركاب، بل تُعد بمثابة ممر العبور إلى سطح القطار.
التسطيح على القطارات ليس ظاهرة جديدة، بل عادة متوارثة، تنتقل من جيل لآخر، هدفها الأول هو الهرب من دفع ثمن تذكرة القطار، وتتنشر هذه العادة فى محطات قطارات خط أبى قير، خاصة بين الشباب الذين يرددون عادة: «اركب على العفريتة»، وهى الجزء الخارجى لجرار القطار.
ويُعد خط أبى قير من أقدم وأهم الخطوط الداخلية لشبكة السكك الحديدية بالإسكندرية، حيث يربط شرق المدينة بوسطها، من خلال 16 محطة، وبطول يصل إلى 22 كيلومتراً، ويخدم نحو 20 مليون راكب سنوياً، مما يجعله فى حالة زحام دائم، صيفاً أو شتاء. وتجولت «الوطن» داخل أحد القطارات المتجهة إلى «محطة مصر»، ورصدت تسطيح عدد كبير من الشباب، تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة، أعلى جرار القطار، بالإضافة إلى وقوف عدد آخر بين العربات، وعلى قطع حديدية صغيرة، دون التفكير فيما قد يتعرضون له من مخاطر قاتلة. وبحسب الطالب «محمد قلبظ»، فى الثالث الثانوى التجارى، الذى تحدّث للصحيفة بينما كان يجلس على «الصدادة» الخارجية لجرار القطار، ومعه كلبه الصغير دون خوف، فى محطة «سيدى بشر»، فإن «التسطيح فن وخبرة، واللى أول مرة بيبان، أما الخبرة فبيعرف يقف فين على العفريتة، ويتحرك إزاى بين المحطات، وشباب كتير بيقلد وخلاص، بس الجو هنا منعش، بدل زحمة الركاب داخل العربات». «مصروفى مش بيكفينى أركب المواصلات وأفطر فى المدرسة، باضطر أركب على الجرار، علشان أوفر 2 جنيه ونص»، هكذا حاول «حسين رمضان»، طالب يبلغ من العمر 16 سنة، تبرير قيامه بالتسطيح على جرار قطار أبى قير، مؤكداً أنه يعرض نفسه للمخاطرة اليومية، فى حالة حدوث أى عطل بجرار القطار، أو السقوط من أعلاه، قد يتسبب فى أن يفقد حياته.
طالب: «الجو منعش هنا ولو قلت للكمسارى معييش فلوس هينزّلنى».. ومسئول: شرطة السكة الحديد تتصدى للمخالفين
وأضاف «رمضان» أن أسرته محدودة الدخل، ويمنحه والده مصروفاً 5 جنيهات يومياً، كما أن له شقيقين آخرين فى التعليم، يحصلان على مصروف من والدهم أيضاً، وتابع بقوله: «لو ركبت القطار من محطة أبوقير، وقلت للكمسارى معييش فلوس هينزلنى، ومش هعرف أروح المدرسة فى سيدى بشر»، مشيراً إلى أن أجرة «الميكروباص» تصل إلى 3 جنيهات لرحلة الذهاب فقط. «خميس عبدالراضى»، 65 سنة، أحد ركاب قطار أبى قير، قال لـ«الوطن» إن ظاهرة تسطيح القطارات، أو «تسطيح الموت»، كما يسميها الركاب، يقدم عليها بعض الشبان للتهرب من دفع قيمة التذكرة، التى تبلغ جنيهاً و25 قرشاً، معتبراً أنه «مبلغ لا يُذكر»، ولكن طلاب المدارس هم أكثر فئة تتهرب من دفع التذكرة للكمسارى، حيث يقومون بالركوب أعلى القطار، أو على الأبواب، أو ما بين فواصل عربات القطار، أو على الجرار. وأضاف «عبدالراضى» أن هؤلاء الشبان يعرضون أنفسهم للموت، حيث من الممكن أن يصطدموا بأحد الكبارى أعلى الخط الحديدى، أو اختلال توازنهم والسقوط من أعلى القطار، مما قد يكلفهم حياتهم ثمناً لتهربهم من دفع قيمة التذكرة، وأعرب عن أمله فى أن يتم تطبيق منظومة «المترو»، من خلال وضع بوابات إلكترونية يقوم الركاب بتمرير تذاكرهم بها قبل ركوبهم القطار، معتبراً أن هذه المنظومة قد تساعد كثيراً فى الحد من ظاهرة التسطيح. «لو ماعملناش كده مش هنروّح بيوتنا»، هكذا بدأ «سعد هلال»، 38 سنة، عامل، حديثه لـ«الوطن» بينما كان يتخذ مكانه أعلى جرار أحد القطارات، وأضاف: «الواحد عمره ما هيعرّض نفسه للموت أو للتهلكة إلا لما يكون مضطر، عربات القطار بتكون زحمة، ولازم نعمل كده علشان نوصل بيوتنا»، وأكد أن معظم من يقومون بالتسطيح على الجرار لا يمتلكون قيمة تذكرة القطار.
وقالت «حنان السيد»، 45 سنة، إحدى الركاب، إن ظاهرة التسطيح انتشرت بشكل كبير نتيجة عدم توافر أماكن كافية داخل العربات وقت خروج الطلاب من مدارسهم، وأكدت أن التزاحم هو السبب الرئيسى للتسطيح، وليس التهرب من دفع الأجرة، وطالبت بضرورة زيادة قوات شرطة السكك الحديدية، للقبض على كل من يخالف التعليمات بالركوب داخل القطار، وذلك حفاظاً على أرواحهم.
وأضافت أن عدداً كبيراً من الأهالى والطلاب يلجأون إلى ركوب القطار، لأنه الوسيلة الوحيدة لمحدودى الدخل، بدلاً من ركوب سيارات الميكروباص، المعروفة باسم «المشروع»، والتى تبلغ قيمة الأجرة فيها 5 جنيهات للرحلة الواحدة، وتابعت بقولها: «أنا بأركب القطار وبأدفع جنيه وربع، يبقى إزاى الشباب بيتهربوا من دفع الأجرة»، كما أشارت إلى أن معظم الشبان الذين يقومون بالتسطيح أعلى القطار من البلطجية أو متعاطى المخدرات. فى المقابل، قال «حمادة جاد»، 26 سنة، بدون عمل، أحد الموجودين على جرار القطار، إن «الفلوس هى كل حاجة، لو مش معاك مش هتقدر تعيش، مش معنى إنى راكب على الجرار إنى بلطجى»، مؤكداً أنه لم يجد مكاناً داخل عربات القطار، وينتظر نزول أى من الركاب فى محطة وصوله، حتى يمكنه الركوب داخل القطار ودفع قيمة التذكرة. أما «أحمد حماد»، 47 سنة، أحد الركاب، فقال إن ظاهرة التسطيح ليست جديدة، ولكنها تزايدت كثيراً فى الوقت الراهن، لمحاولة بعض الركاب التهرب من دفع الأجرة، مشيراً إلى أن عمله يتطلب ركوب قطار أبى قير يومياً، وأنه يشاهد كثيراً من الشبان من متعاطى المواد المخدرة، يعتلون أسطح القطارات، وبعضهم يقوم ببعض الحركات «البهلوانية»، دون أن يكترث بما قد يتعرض له من مخاطر. وأضاف «حماد» أن أغلبية الشبان الذين يتهربون من دفع الأجرة ويلجأون للتسطيح، تتراوح أعمارهم بين 15 و22 سنة، ومن جانبه، أكد مصدر مسئول بهيئة السكك الحديدية أن ظاهرة التسطيح ترجع إلى سلوكيات المواطنين، مشيراً إلى أنه يتم تطبيق القانون على مخالفى تعليمات ركوب القطارات، أو الذين يعتلون الجرارات وأسطح عربات القطارات بتوقيع الغرامات المقررة عليهم، إلا أنه شدد على قوله إن بعض هؤلاء المخالفين يصرون على تكرار المخالفة، مما يعرضهم للخطر.
وأضاف المصدر نفسه أن شرطة السكك الحديدية تعمل على ضبط أكبر عدد ممن يخالفون التعليمات، ويتم تسليمهم إلى أقرب نقطة أو قسم شرطة، لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم، وتطبيق العقوبات المقررة ضدهم بدفع غرامات مالية، وفى بعض الأحيان قد تصل العقوبة إلى الحبس.