نمتلك فى مصر طريقة خاصة فى تطوير التعليم، طريقة لا تقوم على الوعى بالمشكلة والتوصيف الدقيق لها، ثم تحديد الحل الأنجح للتعامل معها، بل تتأسس على الهروب من المشكلة ونسيانها وابتكار حلول تتعامل مع مشكلات غير موجودة لسد احتياجات غير لازمة. مشكلتنا التعليمية بسيطة تتحدد فى عدم قدرة المدارس على استيعاب الأعداد المتكدسة بداخلها. حالة التزاحم داخل الفصول لا تتيح بيئة تعليمية تمكن المعلم من تقديم العلم، والتلميذ من تلقيه. والأعداد الكبيرة التى تتكاثر داخل مكان محدود المساحة والإمكانيات تؤدى إلى إتلاف كل شىء داخل المدرسة، ومع غياب «ثقافة الصيانة» عن الكثير من مؤسساتنا تتفاقم المشكلة عاماً بعد عام. نحن نترك المشكلات الحقيقية الناتجة عن التكدس ونبحث عن حلول لمشكلات أخرى نخترعها اختراعاً ونقول إننا نطور التعليم.
بدلاً من أن نبنى فصولاً جديدة، أو نضيف عدداً وافياً من الديسكات إلى المدارس، أو نصلح دورات المياه، أو نقوم بعمليات الصيانة اللازمة، أو نحسن الشروط الحاكمة للبيئة التعليمية، للتعامل مع مشكلات قائمة ومحسوسة، قررنا إدخال «التابلت» كأداة تعليمية تعبأ عليها المقررات، واشتركنا فى قاعدة بيانات عالمية، وقررنا الاعتماد عليها فى التعليم، وتم الإعلان عن نظم جديدة فى الشرح والتدريب على الامتحانات، وشكل وأسلوب جديد للتقويم. تطوير التعليم جوهره «التابلت».. هكذا يفكر القائمون على أمر المدارس فى مصر دون أن يحددوا لنا بشكل دقيق نوعية المشكلات التى سيتم حلها من خلاله وهل سينتهى المآل بها إلى إيجاد «التلميذ الإنترنتى» الذى يتعلم عن بعد فى البيت، وبالتالى تحل كل مشكلات التعليم فى ضربة واحدة؟!
مع مطلع العام الدراسى بدأت المشكلات الحقيقية فى الظهور فتاهت الوزارة، وتراجعت عن العديد من القرارات التى سبق أن قررت أنها ستطبقها طوعاً أو كرهاً، أما «التابلت» فموجود فى التصريحات وليس فى المدارس!. عندما وُوجه الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم بالمشكلات الحقيقية المؤسسة على موضوع «التكدس» رد قائلاً بأننا نحتاج إلى بناء 200 ألف فصل دراسى جديد، تتكلف 100 مليار جنيه. ومعنى التصريح «قفلوا ع الكلام». وهو أسلوب أصبح أغلب المسئولين يلجأون إليه خلال السنوات الأخيرة. ففى مواجهة أى مشكلة لا يجد الوزير خيراً من صدم من يتحدث برقم مالى كبير. ومن المعلوم بالضرورة أن الحكومة لا تستطيع أن توفر هذا المبلغ، لأن العجز فى الموازنة كبير، و«خلص الكلام»!. لا بأس.. فلنسلم بما قاله الوزير، لكن ذلك يعنى أن التطوير يعنى توفير «فصل دراسى» وليس «تابلت». ومن الممكن أن نبدأ الرحلة بتوجيه القرض الذى حصلنا عليه من البنك الدولى (نصف مليار دولار) لبناء فصول جديدة داخل إحدى المحافظات ونتحرك منها إلى محافظة جديدة، وهكذا.
ما نفعله فى أمر التعليم لا يصب فى حل المشكلات الأساسية التى تواجهه. ليس التطوير أن تفتتح 5 مدارس للمتفوقين، أو 12 مدرسة يابانية، فى وقت تعانى فيه أكثر من 47 ألف مدرسة حكومية من مشكلات وجودية تهد قدرتها على تقديم الخدمة. من يريد التطوير عليه أن يتعامل مع المشكلات الحقيقية وليست المتخيلة.. لأن التطوير يتم على أرض الواقع وليس فى السماء السابعة.