كان طبيعياً فى مثل الظروف التى تقلد فيها مبارك الحكم أن يهتم العالم بخليفة السادات، وعليه أقاموا مقارنات فى حينها فقالوا: إن الرحيل المفاجئ للرئيس السادات قد أنهى مرحلة من أخطر المراحل فى تاريخ مصر المعاصر، لأنه تولى الرئاسة فى عام ٧٠ بعد الوفاة المفاجئة أيضاً لعبدالناصر، وجابهته منذ اللحظة الأولى قضايا حيوية شديدة الحساسية وعلى رأسها القضية القومية الكبرى المتمثلة فى استمرار الاحتلال الإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء وباقى الأراضى العربية المحتلة، وهى المشكلة التى كان تفرغ لها عبدالناصر عقب هزيمة يونيو ٦٧ بتفويض كامل من الشعب المصرى، وجاء السادات ليستكمل المسيرة خلال ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التشابك والتعقيد، ومن خلال مجهود كبير على كل الجبهات استطاع السادات أن يستجمع القوى الفاعلة فى المجتمع المصرى قبل أن يصدر قراره التاريخى باقتحام قناة السويس ونجاح العبور وخلق واقع جديد، وبهذه القدرة العالية على اتخاذ القرارات المصيرية والشجاعة وبغير تردد أثبتت الأيام أنه قدم لأمته مثلاً عظيماً يحتذى به فى أسلوب الحسم التاريخى القائم على دراسة واعية لكل الاعتبارات الإقليمية والدولية..
أما عن الرئيس حسنى مبارك فقالوا عنه وقتذاك: إن الشعب يعرفه بطلاً من أبطال حرب أكتوبر ورفيقاً للسادات كنائب له على مدى ست سنوات كاملة، لقد كان الاختيار ناجحاً فقد أثبت حسنى مبارك فى رحلاته الكثيرة حول العالم وإلى العديد من عواصم الدول العربية، فضلاً عن زياراته لدول العالم الثالث، أنه كانت لديه مهارة فائقة فى شرح السياسة المصرية التى انتهجها الرئيس السادات.. وبعد استعراض كيف كان ينظر العالم إلى الرئيس مبارك كخليفة للرئيس السادات نعلم جيداً أهمية إبقائه على الجمهورية الثانية التى أرسى قواعدها السادات وكان مبارك جزءاً أساسياً وفاعلاً فيها فكانت الأمور بالنسبة له أسهل لأنه انتهج منهج «الاستكمال» فى حين أن السادات كان عليه التغيير الاستراتيجى لاتجاه الدولة سياسياً وعسكرياً، ولقد أوضحت سابقاً أن منهج الاستكمال لسياسة سلفه فرضت عليه وزير الدفاع (أبوغزالة) الذى بدأ من توه مرحلة جديدة لإحداث نقلة نوعية بالجيش المصرى ولذلك فقد طلب من المخابرات العسكرية والعامة مراقبة الضباط والأفراد المشكوك فى تصرفاتهم لاتباعهم اتجاهات معينة ولكن لا يتم التخلص منهم عند اكتشافهم ولكن من خلال النشرات العسكرية للترقى والتقاعد حتى لا يلفت نظر آخرين يكونون خلايا نائمة فيأخذون حذرهم ولا يتم التعرف عليهم ولذلك كانت المتابعة الدورية واليومية تتم وبالتسجيل، إلا أن النبوى إسماعيل، وزير الداخلية وقتها، دخل على الخط ليقدم نفسه للرئيس الجديد على أنه أنشط من الأجهزة المخابراتية وكان يريد بذلك أن يقدم لمبارك حافزاً لقيام ثورة تصحيح أخرى على غرار ثورة السادات ٧١ إلا أن ما خططه النبوى فشل تماماً وذلك عندما توجه لمبارك بعد عام من تقلده الحكم، وكان النبوى يعلم خوف مبارك من الاتجاهات الجهادية داخل الجيش التى بدأ أبوغزالة لتوه التعامل معها، وقد روى لى اللواء فؤاد نصار، وكان ما زال يشغل منصب مدير المخابرات العامة، الآتى:
«فى عام ٨٢ اتصل بى الرئيس مبارك وقال لى فيه انقلاب بالقوات المسلحة، النبوى بيقول مسكوا ضابط وبيقولوا الولاد حيعملوا انقلاب، فقلت له قال لحضرتك اسم الضابط ده فيهم؟ (وذكرت له الاسم)، فقال لى آه، فقلت له يبقى الكلام مش مظبوط، مفيش انقلاب.. سيادتك كلم النبوى وأنا رايح له دلوقت. وكلمت مدير المخابرات الحربية فى الوقت ده وقلت له ارفع درجات الاستعداد عندك وفى الأمن الحربى وتعالى قابلنى عند النبوى إسماعيل، وعرفت إن النبوى فى المباحث العامة، كانت الساعة ١١ مساء، واتقابلت أنا ومدير المخابرات فى السكة، ودخلنا على النبوى لقيناه قاعد وشوية وجابوا الضابط اللى قال عليه هو برتبة نقيب الولد كانت حالته طين...».
(يتبع)