إن كنت ممن يرضى عنهم الله وتنتظرهم الملائكة لترافقهم فى نهاية رحلة الحياة فتأكد أنك قد وقعت مع الدنيا والأهل والأصدقاء والأحباب وحتى الغرباء وعابرى السبيل اتفاقية أمان، وهذه الاتفاقية هى الرخصة الحقيقية التى يحصل عليها أصحاب النفوس العالية المقام ليدخلوا بها قلوب جميع المخلوقات التى تسبح لله الواحد الأحد، ففى لحظات الضعف الإنسانى وما أكثرها ونمر بها جميعاً فى مختلف محطاتنا وجميع مراحلنا العمرية نبحث دائماً عن اليد التى نمسك بها والجدار الذى نستند عليه والأبواب التى نحتمى خلفها من العواصف، والنوافذ التى تدخل لنا الضوء والشمس والهواء، ونراقب من ورائها الطريق فى انتظار بشرة الخير والأحبة والفرح والنجاح والدفء، ونبتهج وتتهلل وجوهنا حين نلمحها متجهة إلينا حتى ولو جاءت متأخرة أو متأنية، فأهم شىء أن تصل إلينا وأن نستمتع بها، ومن يراقب ويلاحظ العيون والوجوه سيجد أن الجميع يبحثون عن الأمان، ولعل ما يعيشه العالم كله الآن من أحداث عنف وقتال وموت ومجازر جماعية ولجوء سياسى وهجرة شرعية وأخرى غير شرعية وتمثيل بالجثث والأوطان والتحولات الجغرافية وضياع المدن والقرى مع سبق الإصرار والترصد وإلغاء الإقامات للكثيرين والترحيل الجبرى، والوقوف على الحدود بين الدول أو العيش وسط المخيمات ودفن الخصوصية والانتماء وتحولها لأمنيات غالية صعبة المنال، واختراع المناطق المنزوعة السلاح والأجواء المحظور فيها الطيران ونزع السلاح ومؤتمرات الإعمار والاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء البشرية، وسرقة التاريخ والحضارات وتجارة الآثار المنهوبة بأيدى الأجيال الجديدة، التى تجهل القيمة والقيم والأصالة وشراء الشهادات العلمية والأشعار وجميع أشكال الإبداع بأموال البترول للحصول على الألقاب والجلوس على عرش الفن، وربما الحصول على نوبل للسلام أو العلوم والفنون قبل الاغتسال من دماء الأبرياء أو حتى سداد ثمن الأفكار والابتكارات وتسجيلها بأسماء المشترين وأصحاب السطوة والجاه، فى وسط كل هذا أبحث مثل الجميع عن الأمان، وعن الاتفاقيات والعهود التى تمنحنا إياه، فأجد أن جميع اللغات أعطته نفس المعنى، فهو العهد ومنه جاءت كلمة معاهدة التى تبحث عنها جميع الدول من أجل السلام والأمان لمواطنيها، فقد تحدث عنها القانون الدولى فقال إنها الميثاق والاتفاق بين دولتين أو أكثر لتنظيم العلاقات بينهما، حيث يوجد منها أنواع، فالاتفاق المبدئى يختلف عن الاتفاق الضمنى، الذى يوصف به أى اتفاق يحدث بين شخصين أو طرفين أو أكثر بطريقة غير معلنة أو غير مباشرة، أى بوسيلة لا تتفق والمألوف بين الناس. وللاتفاقيات التى يحلو لى أن أطلق عليها اسم مقالى تاريخ طويل، حيث تتجول وتعيش وتتنقل بين الشعوب والمؤسسات الدولية منذ التاريخ القديم وحتى الآن، ما يؤكد أنها هدف جماعى لا اختلاف عليه بين جميع الجنسيات، ولعل أشهرها اتفاقيات (چنيف) الأربع التى وقعت أولاها عام ١٨٦٤ لرعاية الجرحى والمرضى من القوات المسلحة فى الحروب، وتوالت البقية منها للبحث عن الأمان لأسرى الحرب وغيرهم، واتفاقية (سيفر) التى وقعت عام ١٩٢٠ بين الدولة العثمانية وألمانيا والنمسا، ومعاهدتا (أوشى ولوزان) الأولى والثانية بين إيطاليا والدولة العثمانية، ومعاهدة سايكس بيكو وكامب ديفيد وأوسلو ووادى عربة ودايتون للسلام، وبعيداً عن هذا التاريخ نجد جميع الكتب السماوية تتحدث وتدعو للحفاظ على العهد، أى الاتفاقية ومنح البشر الأمان، أما أنا فأدعو لكم أحبتى أن تعيشوا تحت مظلتها دون شروط أو بنود تعجيزية أو ضغوط فهى أجمل ما يمكن أن نحقق وأن نحصل عليه كجائزة من السماء.