مؤكدٌ أن مَن عاصر الفترة التى وقعت بين نكسة 67، وانتصار أكتوبر 1973، يذكر جيداً أن كلمة «هنحارب» كانت الكلمة الأكثر تداولاً على ألسنة المصريين. كنت تجدها محفورة بالطباشير والأضافير على حوائط البيوت والمدارس والمساجد والكنائس. ك
ان موضوع الحرب يمثل الشغل الشاغل للمصريين، ويتصدر أجندة أحاديثهم اليومية.
كان الشعب يفعل ذلك، وهو يعيش سياقاً بائساً حكيت لك بعض تفاصيله بالأمس، لكنه كان مصمماً على عدم قبول الأمر الواقع، الذى تريد إسرائيل فرضه على المنطقة.
بعد أعوام متتالية من الكذب علم الشعب الحقيقة المرة، وأدرك أن عدوه يتفوق على مستوى القدرات بفضل ما يحظى به من دعم غربى، لكنه قفز على كل ذلك، فاسترداد الأرض كان موضوعاً محسوماً بغض النظر عن العقبات التى تقف فى وجه المصريين، وهم يسعون إلى تحقيق هذا الهدف.
على مستوى القيادة كان هناك اتفاق على ضرورة تحرير الأرض المصرية، وكان «السادات» يدرك أن هذا الأمر ليس بالسهل، لأنه كان مطلعاً بشكل كامل على أوضاع الجيش المصرى بعد نكبتى اليمن، و67، ويفهم أنه لا يملك القدرات ولا الإمكانيات التى تساعده على استرداد سيناء كاملة، لذلك فقد تصالح مع نفسه على ضرورة القيام بحرب جزئية تتأسس على العبور ورفع العلم المصرى على الضفة الشرقية للقناة، وكان هدفه من ذلك الخروج من بؤس «حالة اللا سلم واللا حرب»، وتحريك العالم للتدخل لحل القضية وإعادة القوات الإسرائيلية إلى حدود 4 يونيو 1967.
رؤية السادات للمسألة كانت واعية وموضوعية، ومن يراجع ظروف القوات المصرية، وكذا الظروف المحلية والإقليمية مع بدايات القرن السابع من الألفية الماضية يستطيع أن يخلص إلى هذه الحقيقة. كان ثمة اتفاق بين الشعب والقيادة السياسية على تحرير الأرض.
الشعب يحلم بتحريرها كاملة عبر الحرب، فى حين يرى السادات أن استرداد الأرض لا بد أن يتم عبر خطوتين، أولاهما الحرب، وثانيتهما السلام.
كل طرف كانت لديه «حسبة»، لكن «حسبة» الشعب كان يغلبها الحماس، فى حين سيطرت الواقعية على «حسبة» القيادة.
فى كل الأحوال كان الجميع متفقاً على الحرب. ولم تكن كلمة «هنحارب» مجرد شعار يرفعه المصريون بعد 67، بل كانت ترجمة لـ«إرادة جمعية»، إرادة حقيقية شملت المصريين بكل أطيافهم، إرادة عازمة على فعل المستحيل من أجل استرداد الأرض.
هذه الإرادة الشعبية كان الرئيس السادات -رحمه الله- يترجمها فى عبارة «روح أكتوبر».
تلك الروح التى كمنت وراء المعجزة التى حدثت، واستطاعت انتزاع نصر من عدو مغرور، ذهب أغلب زعماء العالم، ومنهم زعماء عرب، وكذلك قطاعات شعبية متنوعة إلى أنه مستعصٍ على الهزيمة.
إحساس كان طبيعياً فى ظل مجموعة من الهزائم المتتالية والمتكررة التى نالت العرب فى المواجهات التى خاضوها ضد إسرائيل قبل حرب أكتوبر المجيدة، لكن المصريين أفلحوا فى قتل هذا الإحساس إلى الأبد، حين تمكّنوا بإرادتهم الصلبة من استخلاص النصر من أضلع المستحيل.