«سبوبة» طب الفضائيات.. المال يتفوق على الكفاءة
ليلى وعبدالعزيز
بعد انتشار بث البرامج الطبية على الفضائيات وتحولها إلى جزء أساسى من خريطة البرامج لا يمكن الاستغناء عنه، تواجه هذه البرامج سهام النقد من قبل بعض المتخصصين بأنها «سبوبة» هدفها الربح فقط على حساب صحة المشاهدين، يقتصر الهدف منها على عمل دعاية للطبيب، دون مراعاة لعنصر الكفاءة، ولمنتجات بعض شركات الأدوية، فيما يدافع منتجو ومقدمو هذه البرامج عنها باستماتة، معتبرين أنهم يقدمون خدمة طبية جيدة للمشاهدين بشكل مجانى.
يقول الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، إن البرامج الطبية يجب أن تكون جزءاً من المحتوى الذى يُقدم عبر وسائل الإعلام، لكن من الضرورى التفرقة بين المحتوى الإعلامى والإعلانى، فالمشكلة التى تطارد المحتوى الطبى حالياً أنه يُقدم فى صورة إعلان وليس إعلاماً، وهذا تدليس على المشاهدين، وأوضح «عبدالعزيز» أنه فى بعض الأحيان يتم تقديم بعض الأطباء بشكلٍ غير محايد ومدروس، بغرض إعطائهم مكانة مقابل المبالغ المالية التى يدفعونها نظير الظهور على الشاشات، بالإضافة إلى أن المحتوى الطبى الذى يتم ترويجه عبر وسائل الإعلام لا يخضع لمراجعة أو فحص من أى جهة مسئولة، وهو ما يعطى احتمالية وجود معلومات مغلوطة وغير دقيقة، مؤكداً عدم وجود موانع من عرض برامج طبية على الشاشات، بعيداً عن الطريقة التجارية التى تُقدم بها هذه البرامج، لأنها تمثل مخاطر كبيرة، وطالب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بممارسة صلاحياته فى هذا الصدد، من خلال وضع بروتوكول لتناول الموضوعات الطبية، والتشديد على التفرقة بين الإعلام والإعلان وعدم الخلط بينهما.
ورفضت الدكتورة سميرة الدغيدى، رئيس مجلس إدارة شركة «ميديا آبل»، المتخصصة فى إنتاج البرامج الطبية، اتهام هذه البرامج بـ«السبوبة»، قائلة: «الصحة عنصر هام جداً لدى الإنسان، وأعتقد أن هذه النوعية من البرامج أهم من التوك شو، لكنها تُعامل معاملة الدرجة الثانية من قبل مسئولى القنوات، ومن الضرورى أن تكون (نمبر وان) أسوة بالدول الأوروبية»، وأكدت «الدغيدى» أن هذه البرامج تُحقق نسب مشاهدات عالية جداً، ومسئولو القنوات غير مدركين ذلك، موضحة أن أسباب الاهتمام بالصحة الجنسية والتجميل فى البرامج، ترجع إلى حرص المرأة على الاهتمام بمظهرها الخارجى، حتى وإن كان ذلك على حساب صحتها، ونفس الأمر بالنسبة للرجال الذين يهتمون بالصحة الجنسية.
«إيمان»: الشركات تستعين بمن يفتقدون الكفاءة مقابل المال.. و«سند»: تُحقق هامش ربح جيداً «وأبوالفتح»: نتدخل فى جميع مراحل إنتاج البرنامج .. و«ليلى»: «الموضوع واخد أكبر من حجمه»
وحددت شروط ظهور الأطباء عبر شاشات التليفزيون، فى أن يكون لدى الطبيب قدر من الشهرة، وأن يكون ذا مصداقية بين الناس، ويحمل كارنيه النقابة، وشهادة مزاولة المهنة، وفى حال ظهوره من داخل مركز طبى عليه إبراز صورة من الترخيص، وتتسلم بعض القنوات هذه الأوراق، للتأكد من حسن سمعة ومهارة ضيوف البرنامج، كما أنه ليس شرطاً أن يكون الضيف أستاذاً دكتوراً، فقد يكون استشارياً ولديه مهارات واسعة فى تخصصه، وتابعت أن إنتاج البرنامج تتكفل به شركات الأدوية الراعية له، مؤكدة أن الطبيب الذى يتعاقد مع شركتها لا يدفع لها مبلغاً مادياً مقابل الظهور، فالبرنامج الواحد يكون لديه نحو 8 شركات راعية، وتمويل البرنامج ومصروفات الإنتاج تكون على حساب الرعاة، لتحقيق هامش ربح مُرضٍ، وهناك شركات إنتاج أخرى تحصل على أموال من الأطباء مقابل الظهور، والساعة التليفزيونية تبدأ من 20 ألف جنيه تقريباً، وأضافت أنها تلغى خدمة المداخلات الهاتفية للمشاهدين فى البرامج الطبية، حتى لا يتم تشخيص حالة المريض عن طريق الهاتف بالخطأ، فمن الوارد وقوع ضحايا نتيجة ذلك، مشيرة إلى الدورات التدريبية التى توفرها الشركة للمذيعين لديها، قبل تقديم البرنامج، والتى تكون متعلقة باكتساب مصطلحات طبية جديدة والاطلاع على مهارات التعامل الطبى.
من جانبها قالت إيمان يوسف، مُقدمة برنامج «طبيب البلد» عبر قناة «صدى البلد»، إن معايير اختياء الأطباء على شاشات التليفزيون تختلف بناءً على الشركة المنتجة وكذلك القناة التى يُعرض عليها، فهناك بعض الشركات تستعين بأطباء يفتقدون الكفاءة فى مهنتهم، مؤكدة أنه مسموح لأى طبيب بالظهور على الشاشة، حال دفع أموال مقابل الظهور فى فقرة تليفزيونية، تكون مدتها من 10دقائق إلى 20 دقيقة.
وتابعت «يوسف» أن أسعار استضافة الأطباء تختلف من برنامج لآخر، ومن قناة لأخرى، بينما سعر بيع الفقرة يكون ثابتاً، ولا يختلف بين طبيب مبتدئ أو أستاذ دكتور»، وقالت: «ليس من الضرورى تمتع مُذيع البرنامج بمصطلحات طبية تمكنه من إدارة الحوار بشكلٍ جيد، لأنه مش دكتور.. هو بيقدم الحلقة وخلاص.. الثقافة الطبية تكتسب مع الممارسة».
واستنكرت الإذاعية ليلى بدران، مُقدمة البرنامج الطبى «صباحك رايق» على إذاعة «راديو هيتس»، الاتهامات الموجهة للبرامج الطبية، قائلة: «الموضوع واخد أكبر من حجمه»، لأن الطبيب يطرح عبر البرنامج معلومات عامة للجمهور بهدف الوقاية من الأمراض، لكن مرفوض التعامل مع هذه التوجيهات وكأنها «روشتة»، فالطبيب يُعرض نفسه للمحاسبة فى حال ارتكاب خطأ فى تشخيص حالة مريض داخل العيادة أو المستشفى، وليس عبر برنامج طبى»، وأكدت «بدران»، عدم وجود معايير معينة لاستضافة الأطباء فى البرنامج، فالأساس هو دفع مبلغ مادى مقابل الظهور، لكن بعض المؤسسات الإعلامية التى تتمتع بسمعة جيدة بين الجمهور، تحرص على استضافة أطباء محترفين، مشيرة إلى أن إنتاج هذه النوعية من البرامج يكون من خلال شركات مرتبطة بالقطاع الصيدلى، ونوهت إلى اختلاف البرامج الطبية بين الإذاعة والتليفزيون، فالبرنامج عبر الشاشة يكون أسهل بشكل كبير بسبب الصورة، ويوفر مساحة للطبيب بالحديث باستفاضة ومناقشة موضوعات مختلفة، بينما مذيع الراديو الجيد والطبيب الذى يتمتع بمهارة الوصف، يمكنهما توصيل المعلومة عبر الميكروفون، كما أن «السوشيال ميديا» سهلت الأمر إلى حد ما، فيتم من خلالها نشر الصور المتعلقة بموضوع الحلقة، فى أثناء عرض الحلقة، حتى يفهم المستمع بشكل أكبر.
وقالت الكاتبة الصحفية إلهام أبوالفتح، رئيس شبكة قنوات «صدى البلد»، إن البرامج الطبية يحرص الجمهور على متابعتها واكتساب معلومات جديدة للوقاية من الأمراض، مؤكدة أن إدارة القناة تتدخل فى جميع مراحل إنتاج برنامج «طبيب البلد» الذى يُعرض على شاشتها، بداية من اختيار الأطباء والموضوعات التى يتم تناولها، مضيفة: «مش أى حد يطلع على الشاشة فى البرنامج»، وتابعت «أبوالفتح»، أنه يتم تناول القضايا الطبية التى تهم صحة المشاهد بشكل علمى محترم دون خدش الحياء فى البرنامج، ولا يتم التطرق للموضوعات التى تُخالف تقاليد المجتمع المصرى، مؤكدة أن «طبيب البلد» من إنتاج القناة، وليس «مُباع» لشركة إنتاج خارجية، ورفضت رئيس «صدى البلد» اتهام البرامج الطبية بـ«السبوبة»، قائلة: «كل مسئول فى قناته يضع سياساته التى تتماشى مع إطار القناة، وليس مطلوباً منى محاسبة البرامج الطبية التى تُعرض عبر القنوات الأخرى، فأنا أمثل الاستراتيجية الخاصة بـ(صدى البلد) من خلال تقديم مادة طبية علمية محترمة تُلبى رغبات المشاهد، والهدف الأساسى ليس التربح.
وقالت الدكتورة إلهام يونس، أستاذ الإعلام المساعد ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بالمعهد الدولى العالى للإعلام، إن ظاهرة البرامج الطبية أصبحت مطلباً أساسياً للخريطة البرامجية فى كثير من الفضائيات، بسبب حاجة الجمهور بمختلف القطاعات لها، وهذا النوع من البرامج يهدف إلى نشر الثقافة الطبية السليمة والقضاء على العادات الغذائية والسلوكية السيئة، التى تُسبب أضراراً صحية على المدى الطويل، وأضافت «يونس» أن هناك عدداً من البرامج المتميزة ويقدمها أطباء متخصصون، على رأسهم «الحكيم فى بيتك»، أو برامج رعاية الأطفال حديثى الولادة التى تركز على تقديم نصائح للأمهات الجدد، أو برامج يقدمها إعلاميون، ويكون الضيف دكتوراً متخصصاً فى مجال معين للإجابة عن أسئلة المشاهدين، وأشارت إلى أن البرامج الطبية التى تعتمد على الترويج لمنتج معين، سواء كان منتج تجميل أو أعشاباً، تحتاج إلى رقابة وضبط فى الأداء، لأنها تتحول إلى برامج تجارية تهدف للبيع فقط، أو الإعلان عن أطباء بعينهم، كما أن هناك بعض مُقدمى البرامج ليسوا على درجة من الثقافة الطبية، ويتضح ذلك بشكل كبير من خلال الأسئلة والحوارات السطحية مع الأطباء، وهناك بعض الأطباء يعطون وصفات علاجية للمرضى من خلال المداخلات الهاتفية فى البرامج، وهذا مخالف لميثاق الشرف الطبى والإعلامى، لأن الحالة الصحية لا يمكن ضبطها من خلال التليفون.
وعلق سامح سند، مدير شركة «Wide angle» للإنتاج الإعلامى، المنتجة لأحد البرامج الطبية على الاتهامات التى توجه لهذه النوعية من البرامج، قائلاً: «العيب لا يقع على المشاهد، الخطأ يكون على شركات الإنتاج التى جعلت المحتوى الطبى يظهر فى شكل تجارى، وعدم التحلى بالأمانة فى توصيل المعلومة، أو استضافة شخصيات ليست على مستوى عال من العلم، كما يقع الخطأ على رؤساء تحرير هذه البرامج والمعدين»، وتابع «سند» أن البرامج الطبية المكونة من عدة فقرات، يكون هدفها الأساسى الربح، فتظهر فى شكل تجارى، موضحاً: «هذه البرامج تُحقق هامش ربح جيداً، حيث إن الأطباء يدفعون أموالاً مقابل استضافتهم، فى إطار الدعاية والتسويق، لكن من الضرورى إمداد المشاهد بالمعلومات لتحقيق الاستفادة».