الرئيس السيسى يقول إن «بيع القطاع العام وشركات قطاع الأعمال أمر جيد جداً»! هكذا قالت أكثر من صحيفة فى أكثر من مانشيت عقب افتتاح الرئيس لعدد من المصانع فى بنى سويف قبل أسابيع، بينما تصر صحف أخرى على مناقشة «تخلص الدولة من القطاع العام بشكل شامل»!! لذلك.. إليك عزيزى القارئ السطور التالية.. طالعها بتمهل وبغير استعجال لأسباب ستعرفها فيما بعد.
السبت 11 مارس من العام الماضى اجتمع الرئيس السيسى باللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربى طالبه، فضلاً عن توفير احتياجات القوات المسلحة، بتوفير احتياجات القطاع المدنى.. يومها صرح العصار أنه «فى إطار السعى للنهوض بصناعة الدواء المصرى وقعت الوزارة بروتوكولاً للتعاون مع عدد من الشركات المصرية لإنشاء مصنع للمنتجات الطبية والأدوية بما يساهم فى توفير احتياجات السوق المصرية فضلاً عن تصديرها للخارج»، وأضاف أنه سيسافر يوم الاجتماع إلى روسيا البيضاء لاستكمال المشاورات معهم حول الشراكة فى تصنيع الجرارات الزراعية!
وقبلها وخلال السنوات السابقة حدثت وقائع كثيرة لم تحظ بالاهتمام الإعلامى الكافى.. ففى10 أغسطس 2015 تنبه المصريون لمصنع تعليب وتصنيع الأسماك التابع لشركة مصر أسوان بعد تصريح لمحافظ أسوان مصطفى يسرى الذى طالب هيئة السد العالى بإمداد المصنع بالعلف اللازم لعودة المصنع للعمل، وقد عاد المصنع للعمل بالفعل بعد توقف 15 عاماً مع إنشاء مصنعين أحدهما للثلج وآخر للأعلاف حتى تستقل الشركة بكل شىء.. بينما فى 25 ديسمبر 2016 فوجئنا بتصريح للمهندس هانى مدحت، رئيس مجلس إدارة شركة قها، أن الشركة لأول مرة منذ فترة طويلة تحقق أرباحاً، وبلغت مبيعاتها 12 مليون جنيه فى نوفمبر، بينما حققت خسائر فى نفس الشهر من العام الماضى، وأكد أن الشركة تسعى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية من 15 ألف طن سنوياً إلى 28 ألفاً، وأضاف لمحرر وكالة أنباء الشرق الأوسط أننا «نستهدف زيادة حجم مبيعاتنا السنوية من 80 مليون جنيه حالياً إلى 335 مليون جنيه سنوياً»، ولذلك كان منطقياً أنه بعد عدة أشهر وتحديداً يوليو 2017 أن يعلن أن حجم مبيعات الشركة بلغ 72 مليون جنيه، ثم عرفنا القصة كلها وأن الدولة ضخت مائة مليون جنيه بإشراف من الوزير خالد حنفى لتطوير الشركة، واليوم فى نهاية 2018 تبدلت الأرقام إلى الأفضل طبعاً! فى ديسمبر 2017 أعلن رئيس مجلس إدارة القابضة للصناعات الغذائية عن عودة إنتاج التونة من مصانع شركة إدفينا دمياط، بدأ بالفعل فى الإنتاج بعد توقف لربع قرن! لذلك كان منطقياً أيضاً أن يعلن نائب رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية المهندس مجدى الشاطر فى 3 أبريل 2018، أى بعد أربعة أشهر من الإنجاز السابق أنه سيتم الانتهاء من دراسات الجدوى الخاصة بتطوير باقى أول مصنع للتونة التابع لشركة إدفينا المقام فى محافظة دمياط يونيو المقبل، مشيراً إلى أنه لم يتم حتى الآن تحديد التكلفة الاستثمارية له!
وفى شركة نيازا للمصابيح الكهربائية وبشكل بيانى صاعد بالأرقام أكد المهندس أحمد إبراهيم يونس، رئيس شركة النصر للأجهزة الكهربائية والإلكترونية، فى 16 أبريل 2017 أن الشركة تستهدف مضاعفة إيرادات العام المالى المقبل لتصل نحو 230 مليون جنيه مقارنة بإيرادات متوقعة العام الحالى تصل لنحو 170 مليون جنيه، فى حين تم تحقيق 111 مليون جنيه العام المالى الماضى!
قبلها افتتح الرئيس السيسى فى 17 ديسمبر 2015 بكوم أوشيم بالفيوم مصنع إنتاج الأسمدة الزراعية أحادى وثلاثى سوبر فوسفات المحبب «رقم 2»، الذى تصل طاقته الإنتاجية إلى 150 ألف طن سنوياً، لكن الرئيس وبعد عام بالتمام والكمال وتحديداً فى 24 ديسمبر 2016 يفتتح مصنع الكلور والصودا الكاوية رقم (4) بطاقة إنتاجية من الكلور تصل إلى 85 طناً يومياً، لتصبح الطاقة الإجمالية لمصانع الكلور التابعة لشركة النصر للكيماويات الوسيطة 50 ألف طن سنوياً، وهو واحد من أكبر مصانع الشركة بمساحة إجمالية تصل إلى نحو خمسة وعشرين فداناً! بين التاريخين السابقين وتحديداً فى 11 أغسطس 2016 وعلى مساحة شاسعة من الأرض وبوصفه «الأكبر فى الشرق الأوسط» يفتتح الرئيس مجمع بتروكيماويات الإسكندرية باستثمارات تبلغ نحو 1.9 مليار دولار بهدف إنتاج نحو نصف مليون طن سنوياً تقريباً من الإيثيلين وأقل منها قليلاً سنوياً من البولى إيثيلين، حيث سيتم توجيه70% من الإنتاج لتغطية احتياجات السوق المحلية من الاحتياجات، بالإضافة إلى تصدير 30% من الإنتاج للخارج لتوفير العملات الأجنبية، كما سينتج المشروع أيضاً ما يقدر بنحو 20 ألف طن سنوياً من البيوتادين و36 ألف طن سنوياً من البولى بيوتادين! الآن.. أوشكت المساحة المخصصة على الانتهاء وربما لاحظ قارئنا العزيز التناقض بين الأخبار التى نشرتها الصحف بأخبارها المشار إليها فى السطور الأولى مع مجهودات الدولة لإعادة إحياء القطاع العام، خصوصاً التى بيعت فى الخصخصة أو التى أهملت فيها وتوقفت عن العمل والإنتاج فضلاً عن تعظيم ممتلكات الدولة مثلما حدث فى مجمع الإسكندرية الأخير.. وحلاً لهذا اللغز عليك أن تعرف أن التصريح الحقيقى للرئيس السيسى كان «الدولة لجأت قبل سنوات لخصخصة شركات القطاع العام.. وهذا أمر جيد.. لكن الأفضل أن نبقى توازناً فى المجتمع بين القطاع العام والخاص.. وهذا ما نفعله»! الصحف التى نشرت التصريح تركت كل شىء واختارت العناوين السابقة، ولذلك عندما يبقى ذلك فى ذهن الناس ويرى المصريون توجيهات الرئيس أمس الأول لرئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولى بضرورة تطوير القطاع العام وفق خطة مدروسة مع الاهتمام بالصناعة الثقيلة فلن يصدقوا.. أو على الأقل سيتشككون فى الأمر، وهو ما دعانا للمرور على بعض الصناعات والمصانع التى أعيدت للحياة بعد إهمال طويل من النظام الأسبق، وتبقى صناعات ومصانع أخرى تحتاج أموالاً كبيرة لإعادتها للعمل وأخرى تحتاج مبالغ كبيرة أيضاً لإعادتها للدولة مثل المراجل البخارية، نظراً لوجود مبلغ ستدفعه مصر كغرامة بحكم تحكيم دولى، ولذلك فمن يجهلون المعلومات يكونون فريسة للإشاعات وللمعلومات الخاطئة، وعندما نبلغك عزيزى القارئ أخيراً أننا لم نتحدث عن مصانع وشركات كبرى مثل سيماف ولا الحديد والصلب ولا النصر للسيارات ولا قطاع النسيج كله.. لذا فربما يكون لنا عن الملف نفسه مقال آخر! الرئيس بالمناسبة فى تصريح أمس الأول قال حرفياً «التصنيع الثقيل خصوصاً النسيج و.. والحديد والصلب»!