وكبرت يا أمى وعرفت معنى كلمتك التى كانت تنعشنى وتفرحنى وتطربنى وتدفئ مشاعرى وتعطينى آمالاً عريضة كلها سعيدة، وتشعرنى أننى أنقل خطواتى بسرعة العدائين فى البطولات العالمية للوصول لنهاية السباق نحو القمة. وكبرت يا أمى وعرفت مذاق وحلاوة أن يطلب منى ساكن قلبى العمر كله أن أدعو له، وبحثت وفهمت وأدركت ووعيت أن الدعاء يغير الأقدار ويرفع الآلام ويخففها ويحفظ الأحبة ويحتضنهم ويمد لهم ذراعيه، وكبرت يا أمى وعرفت أننى تعلمت منك الحب لكل من حولى ولكل أشيائى الصغيرة وما أملك وما أرى فنجان قهوتى اليومية ودورق الماء فى حجرتى وثوبى الأزرق وحقيبة أوراقى ومشابك شعرى ومرآتى وحتى قصاصة الورق التى عبثت بالقلم فوقها فرسمت قلباً ووردة وفراشة، أو الأقلام الصغيرة الملونة والممحاة وفانوس إنارة الطريق الذى كان يداعبنى ليلاً عندما ينعكس ضوؤه على الجدار المواجه لفراشى فيضحكنى أو يخيفنى، فألقى بالغطاء فوق رأسى حتى لا أراه، والعصفور الرمادى اللون ووليفته فى شرفتى وصوت غنائهما ومناجاتهما، والقطة الصغيرة التى تطاردنى فوق درجات المنزل وتتمسح بقدمى متوددة ومتدللة وتنتظر يومياً عودتى، وطريقى الذى أسير فيه يومياً إلى المدرسة ثم إلى جامعتى وإلى عملى، وبائع الجرائد والمجلات وغلاف المجلات النسائية المزين بثوب العروس وميكى وبطوط وزيزى وعم دهب أبطال مجلات الطفولة، علمتنى أمى أن أحب كل هذا وأكثر وأن أتعامل مع جميع المواقف بالحب، لأنه هو المعجزة الإلهية التى منحها الله لنا، ولكن الكثيرين بكل أسف لا يدركون قيمتها ولا يعرفون معناها ولا أثرها السحرى، وإذا كنت قد اكتشفت أن أمى رحمها الله قد علمتنى الحب فقد وجدت فى إحدى المكتبات كتاباً أعده اثنان من أشهر الكتاب العالميين، وهما (جارى شامباين وروس كامبل) تحت اسم (لغات المحبة الخمس عند الأطفال)، وقد بيع منه أكثر من مليون نسخة بالإنجليزية والعربية، ومن أجمل ما يتضمنه الكتاب جزء تحت اسم (لعبة لغة الحب السرية) لنعلم أطفالنا أجمل معانى الحب فيخرجون للعالم الخارجى وهم محبون للحياة ومتصالحون مع أنفسهم ومع الدنيا بكل ما تحتوى تلك الحروف من مكونات، ويقول الكتاب إنه ثبت علمياً أن جميع المواقف والسلوكيات والتطورات فى شخصية الإنسان تعتمد على علاقة الحب بينه وبين الوالدين فى مرحلة الطفولة، وكيف استطاعا أن يوصلا إليه أنهما يحبانه، وأنه كى يصل الإنسان لهذه المرحلة منذ طفولته لا بد أن يكتشف المحيطين به لغة الحب لديه، التى تختلف من واحد لآخر حسب طبيعته. فإذا وجدتم أن الطفل يسعده أن تصله هدية خاصة فى أى مناسبة ويفعل نفس الشىء مع المحيطين المقربين له مثل معلمته فى المدرسة مثلاً فتأكد أن لغة المحبة الأساسية عنده هى الهدايا، أما إذا كان يكرر كلمات الشكر لأمه مثلاً أو يمدح طعامها أو ملابسها فتأكد أن لغته هى كلمات المحبة والتعزيز، أما من يكرر مطالبه ويتذمر بشكل مباشر فلغته هى التشجيع وتقديم الدعم والاستماع إليه. وأعتقد أننا جميعاً أعجبنا الشعر والغناء وكل إبداعات خرجت من عباءة الحب، فقد تكونت مشاعر عدة أجيال وما زالت حتى الآن على قصائد حب نزار قبانى وأغانى عبدالحليم وأم كلثوم وروائع الشعراء العرب، ويكفى أن نقرأ ما قاله نزار فى وصفه للحب (أصبح شجراً أصبح مطراً أصبح أسود داخل عين إسبانية تتكون حين أحبك) و(حين أحبك تتشكل لغة أخرى... مدن أخرى... وتسرع أنفاس الساعات)، فعلموا أولادكم ما هو الحب، أسعد الله أيامهم وملأها به.