فى السينما: قديس ومحتال
عادل إمام فى «الأفوكاتو»
يؤكد له أن دفاعه عنه لن يغير شيئاً فى القضية، الأمر لا يتعدى كونه تمثيلاً صورياً من المحكمة لضمان العدالة، يتعجب: «زمن بيلموا فيه ولاد الناس سن 16 و17 سنة وبيدفنوهم تحت الأرض باسم الحريات الأربعة، وعايزنى أكسبها!»، كلمات قالها محمود المليجى أو المحامى «قدرى» فى فيلم «إسكندرية ليه»، معبراً عن قبح وفساد الواقع. الفيلم الذى يعد أهم الأعمال التى تناولت مهنة المحاماة فى السينما المصرية، وكان بمثابة مرآة عكست أحوال وطبائع مجتمع فرضت نفسها على كل المهن.
صناع الأفلام لم يسعوا إلى إدانة أو الدفاع عن المحامين، فمهنة المحامى لم تتخط كونها سوى شخصية ثرية ودرامية مليئة بالتفاصيل، جذابة فى الحكى تتقاطع مع كل أوجه الحياة، وفى مراحل زمنية قديمة كان يتم تقديم تلك الشخصية بشكل مختلف، ومع التغيرات التى طرأت على المجتمع تبدلت بالتبعية كل صور أصحاب المهن الحرة وفى مقدمتها المحامى.
الأفلام رفعتهم للسماء وأنزلتهم لسابع أرض.. نموذج مشرف فى «هذا ما جناه أبى» و«الأفوكاتو مديحة» و«الأستاذة فاطمة».. وفاسد وانتهازى فى «الأفوكاتو» و«ليل وخونة» و«طيور الظلام»
من أبرز النماذج الإيجابية التى قدمتها السينما لشخصية المحامى تلك التى قدمها زكى رستم فى فيلم «هذا ما جناه أبى» للمخرج هنرى بركات، عام 1945، إضافة إلى فيلمى «الأفوكاتو مديحة» للفنانة مديحة يسرى وتأليف وإخراج يوسف وهبى، و«الأستاذة فاطمة» للمخرج فطين عبدالوهاب، بطولة الفنانة فاتن حمامة عام 1952، الذى جسد محاولات السيدات إثبات نجاحهن فى مجال المحاماة والدفاع عن المظلومين.
تاريخ السينما المصرية يزخر بمجموعة كبيرة من الأعمال التى تطرقت إلى مهنة المحاماة من زوايا مختلفة، من أهمها «ضد الحكومة» للمخرج عاطف الطيب، الذى قدم المرافعة الأشهر التى وقف فيها الفنان أحمد زكى أو «مصطفى خلف» ضمن الأحداث، أمام الجميع بنظرات شاخصة وأنفاس متهدجة ملئها نبرات الاتهام مردداً: «كلنا فاسدون لا أستثنى أحداً، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة»، حيث ألقى الضوء على مجموعة من المحامين المتحايلين على القانون، يستغلون ضحايا حوادث الطرق للحصول على تعويضات لهم من الحكومة، ثم يعطونهم منها مبالغ محدودة ويستولون على الجزء الأكبر.
«عدلى»: صورته تباينت نتيجة لتغيرات المجتمع
تتغير مبادئ «مصطفى» عندما يتعرض نجله لحادث يهدد مستقبله، ويقيم دعاوى قضائية ضد وزيرى التعليم والنقل، ورئيس هيئة السكك الحديد بتهمة الإهمال.
كما ألقى فيلم «طيور الظلام»، للمخرج شريف عرفة والكاتب وحيد حامد، الضوء على نماذج مختلفة من المحامين، غلب عليها الطابع السلبى، فهناك «فتحى نوفل» الذى تحول من محامٍ ملتزم صاحب مبادئ إلى انتهازى يلهث وراء الربح المادى عن طريق استغلال ثغرات القانون حتى يصبح مديراً لمكتب أحد الوزراء، أما «على الزناتى» فيجنى مبالغ طائلة عن طريق الدفاع عن أعضاء الجماعات الدينية المتطرفة.
لم يكن «طيور الظلام» هو العمل الوحيد الذى قدم فيه عادل إمام شخصية المحامى، ولكن فيلم «الأفوكاتو» للمخرج رأفت الميهى، إنتاج عام 1983، كان الأكثر إثارة للجدل رغم طابعه الكوميدى، فتدور أحداثه حول المحامى «حسن سبانخ» الذى يتعامل مع الآخرين بشكل غير أخلاقى ويتورط فى عمليات نصب وعلاقات مشبوهة مع تجار مخدرات، ما اعتبره المحامون إهانة للمهنة، وتقدم وقتها ما يقرب من 150 محامياً بدعوى قضائية ضد صناع الفيلم، متهمين إياهم بالإساءة لصورة المحامى ولصق صفات الفساد والتحايل بشخصه، إضافة إلى الطعن فى هيبة القضاء، وصدر الحكم بوقف الفيلم وحبس الفنان عادل إمام لمدة شهر، حتى أصدر المحامى العام لنيابات الجيزة قراراً بإيقاف تنفيذ الأحكام التى صدرت من قبل.
ولم تكن تلك الأزمة الوحيدة التى افتعلها المحامون مع السينما، ففى عام 1998 تقدم الأمين العام المساعد لما يسمى «رابطة المحامين الإسلاميين» ببلاغ للنائب العام ضد رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية على أبوشادى آنذاك، متهمه بمخالفة الآداب العامة بسبب إجازة فيلم «كلام الليل» للمخرجة إيناس الدغيدى.
ويقول الناقد نادر عدلى: «السينما تعاملت مع المحامى بكل الطرق الممكنة منذ زمن طويل، حيث كانت من المهن التى يتم النظر إليها باحترام شديد، باعتبارها تمثل القانون، وبالتالى كانت شخصيات جادة ومتزنة، وظهر ذلك فى فيلم «الأفوكاتو مديحة» حيث تزامن مع بداية عمل المرأة فى مجال المحاماة». وتابع: «بعد ذلك كان هناك عدد من الأفلام قدمت المحامى بشكل تقليدى، فكان وسيلة لمساندة البطل فى بعض الأعمال، ولكن هناك مجموعة أكبر من الأفلام قدمت المحامى الفاسد والانتهازى أشهرها فيلم (الأفوكاتو) للفنان عادل إمام، الذى كان بمثابة فانتازيا خيالية لبيان فساد المجتمع فى ذلك الوقت، الأمر الذى أثار غضب المحامين ولم ينته سوى باعتذار عادل إمام فى إحدى الصحف القومية».
وأضاف «عدلى» لـ«الوطن»: «كما يعد فيلم (ليل وخونة) للمخرج أشرف فهمى المأخوذ عن قصة (اللص والكلاب) للأديب نجيب محفوظ، من الأعمال التى تناولت فساد المجتمع من خلال شخصية المحامى، حيث تم تعديلات على النص الأصلى جعل الفاسد والمحرض الأكبر يكون المحامى الذى قام بدوره محمود ياسين، وذلك بخلاف تناول المحامين فى فيلم (طيور الظلام) الذى يعد سياسياً إلى حد كبير يعبر عن شخص يدعم التيارات السياسية المتشددة مقابل آخر يدعم الحزب الحاكم، الفكرة كلها ليست فى المهنة بحد ذاتها ولكنها بيان لحالة المجتمع، فيلم مثل (ضد الحكومة) قدم الجانبين المحامى الفاسد الذى يحصل على أموال التعويضات، والمحامى الذى يحاول بشتى الطرق تحقيق العدالة».
من جانبها ترى الناقدة خيرية البشلاوى أن السينما ركزت على الجانب السلبى فى مهنة المحاماة أكثر من التركيز على الجانب الإيجابى، باعتبار أن النماذج السلبية أكثر جذباً على الشاشة، موضحة لـ«الوطن»: «السينما فن ترفيهى أكثر منها كشفاً لأوجاع المجتمع وبالتالى تقديم المحاماة ومن يمتهنونها بهذا الشكل هو مناسب أكثر للأحداث التى تقدمها الأفلام، ويقترب إلى الواقع بنسبة ما فهناك عدد كبير من المحامين كل همهم براءة موكليهم بغض النظر عن اقتناعهم ببراءتهم أم لا».
أحمد زكى فى «ضد الحكومة»
محمود المليجى فى «إسكندرية ليه»