كم من المضحكات المبكيات على أرض مصر، وكم تغير من سلوكيات وتصرفات «أهلك وناسك» فى السنوات الأخيرة فأصبحت تثير الحزن والأسى على ما آل إليه حال البعض من المصريين ليتبدلوا على غير ما كانوا طوال تاريخهم.
هى واقعة شهدها الجميع وانتشرت على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وتكمن أهميتها فى أنها كاشفة لسلوك البعض وراصدة لمتغير خطير اعترى البعض فى مشاعره الإنسانية وكيفية تعامله مع المواقف الإنسانية.
الفيديو لضابط شرطة اعتدى على سائق تاكسى، ومهما كانت المبررات لا يمكن أبداً تخيل التعامل بهذا التعالى والعجرفة وبسلوك مسىء، ليس فقط للمشاعر وإنما أيضاً مسىء للبشر.
المسألة الحقيقية ليست فى مضمون الفيديو، فالشرطة انحازت للقانون وقررت توقيف الضابط وإحالته إلى التحقيق ولا يوجد من يستطيع الدفاع عما حدث، لكن المؤسف والمحزن هو ما صدر عن مصور الفيديو وعلى خلفية المشهد المؤلم كان هناك تعليق أكثر إيلاماً من الفعل وكانت هناك أصوات تنطق بكلمات لا يصدرها إلا من تجرد من مشاعره الإنسانية.
بدلاً من أن يهرع الشخص لإنقاذ الضحية من المعتدى عليه وحمايته وتقليل حجم الأضرار التى لحقت به كان هذا الشخص أكثر حرصاً على «تسخين» الموقف كما يقولون ومحرضاً على تصعيد الموقف وتحميل الضحية مزيداً من الألم والخسائر نظير لقطة يهتم أكثر بها وأن تصبح أكثر إثارة وتشويقاً.
هذا الهُمام المُصور صرخ فى الضحية «سيبه يضربك، سيبه يعورك، يلا صورى يابت»، وبدلاً من إنقاذ الضحية من أيدى المعتدى نُحرض المُعتدَى عليه بتحمل الاعتداء وإتاحة الفرصة للمعتدى لإصابته بجروح وإسالة دمائه من أجل صورة نريد بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعى أو من أجل تصوير خناقة شخصية على أنها إساءة للشرطة، أو لجذب المزيد من «اللايكات والشير والشهرة»، ولو كان كل ذلك على حساب ضحية مسكينة تصرخ وتتألم مما تتعرض له من ضربات.
بقية الأصوات على خلفية المشهد المؤذى المؤسف توجه المصور «ارجع لورا شوية» صوَّره من هنا «صوَّر نمرة السيارة»، وهكذا توجيهات وتعليمات واقتراحات ومبادرات ليس من بينها «اجرى الحق الرجل حيتعور»، ولا من بينها «اجرى امنع البلطجى ده».
إذا كان الراحل العظيم جلال أمين طرح سؤالاً وجعل منه عنواناً لكتابه الأشهر «ماذا حدث للمصريين؟.. الحراك الاجتماعى فى مصر من عام 1945 حتى 1995»، فإنى أجدد السؤال ماذا حدث للمصريين فى السنوات الأخيرة لتتبدل مشاعرهم الإنسانية بهذه الوحشية فيهتم أحدهم بالتحريض على الدم لتصويره بهدف تحقيق الشهرة على حساب إنسان ومشاعره وإنقاذه من التعدى عليه.