كان لي.. أب عظيم.. وحياة غنية..
ممممم.. كلام كبير ها؟!
هنا يوجد..
رحلتي مع الدنيا.. ومرمطتها.. حكايات عقل بتتنطط في مخي زي القرود.. والقرد مش حيبطل تنطيط طول ما هو في القفص.. الحكايات دي بقت حمل على الذاكرة الداخلية لمخي.. مابقيتش اعرف "اسيف" الجديد من غير ما افضي القديم.. واحفظه على سيرفراتكم..
احفظوا آل عقل.. من أجلي، وحب.
بابا.. عادل عقل.. اللي كلنا كنا بنناديه دُوُله، وأنا صغيرة لما اكتشف إنى ميالة للقراية، وكنا عايشين ساعتها في مصراته ليبيا، حيث مصادر وموارد القراية شحيحة للغاية، وكنت أقرأ أي حاجة تقع تحت إيدي ولو مافيش جديد أقراه، اقعد أنسخ اللي قريته في كراريس المدرسة القديمة، كان بابا بدل ما يطالبني بعمل أكل أو غسيل مواعين، يديلي مصروف ثابت اروح اشتري كتب واتفق لي مع صاحب المكتبة في السوق المغلق - أول مول تجاري في مصراتة - إنى اروح ادفع نص دينار وابدل كتاب بكتاب وهكذا، ولما كبرت شوية واتخرجت واشتغلت، بقيت اصرف كل فلوسي تقريبا ع الكتب، عمر بابا ما اعترض، ولا قال لي حوشي، بالعكس، بقى لما ييجي معرض الكتاب يديني فلوس حتى لو معايا عشان اشتري كتب أكثر، ولما أكوام الكتب عليت في البيت عمره ما اشتكى من شكلها وزحمتها والتراب اللي اتكوم عليها، وكان لما اشتري كتب من فلوسي الاقيها غالية ولما بابا يديلي فلوس اشتري كتب اكتر، فلوس بابا بركتها زيادة كنت الاقي عروض ع الكتب وارجع بتمنها شايلة خمسين كتاب مثلا.
لما الموبايلات والفيس بوك انتشر بابا كان بيتضايق قوي ويقعد يعترض لحد ما نسيب الموبايلات ونقعد نتكلم مع بعض ونضحك سوا، ولما انتشرت الكتب بي دي إف، بابا مش عارف إنى بقيت أقرا كتب على التليفون بدل الكتاب الورق، قبل كده كان بيعمل لي معسكرات قراية، بدون اتفاق، يلاقي في إيدي كتاب يعرف إنى مش حقوم من مكاني يومين إلا لما اخلصه، فيوطي التلفزيونات، ويتكلموا بصوت واطي عشان عارف إنى مستغرقة، ومخي هناك في عالم تاني، وكان يجيلي ينبهني وقت الوجبات فقط، اللي هو طبخها لنا بإيده. ولما استبدلت الكتب الورقية بالـ بي دي اف لأنها مجانية بقيت اقراها علي الموبايل، ولأن بابا مابيحبش الموبايل، عشان أقنعه اني بقرأ كتب، كان لازم أوريله كتاب ورقي ونسخته الرقمية، صدق إنى بقرأ ومابقاش يعترض، دلوقتي بابا سابني من أربع سنين، ومابقيتش أقدر استغرق في عوالم أخرى وكاني في غيبوبة زي زمان، مابقيتش أقدر أركز وأنا في دماغى مسئوليات وهموم كنت معفية منها على حياة عينه.
في رحلة بابا الأخيرة وصراعه مع المرض، كنا بنبدل عليه ورديات قاعدين جنبه، مانسيبهوش لحظة ولما كان ينام كنت افتح التليفون أقرأ كتاب عشان ما انامش، في يوم فتح عينه وماكانش قادر يعترض إنى ماسكة التليفون، لما لمحت في عينه عتاب، وريته الشاشة وقلت له بقرأ كتاب، رغم إنه ما كانش قادر ينطق، رد برضا وبجملته اللي اتكررت لعقود:
- أقرى يا ماما.
نام لحظات وصحي، شاور بصباعه على المكتبة على الحيط المواجهة لسريره، تمتم بضعف فقربت ودني منه عشان اسمع بيقول إيه، قال لي كلمتين بآخر قوة في جسمه وآخر نفس في روحه، بعدها ماسمعتش صوته تاني:
- ماتغيروش حاجة.