«لا تمشِ على الطريق المرسوم، لأنه سيقودك إلى حيث ذهب الآخرون».. يبدو أن هذه النصيحة التى قالها الكاتب العالمى جراهام بل، أتقنها جيداً حسن عبدالله الذى رفض المألوف، فشكّل واحدة من أنجح التجارب المصرفية فى مصر من خلال قيادته البنك العربى الأفريقى على مدار 16 عاماً انتهت اليوم، انتقل بالبنك خلالها من مجرد مؤسسة مالية صغيرة مملوكة لحكومتى دولتين كبيرتين هما مصر والكويت، إلى مؤسسة رائدة فى الاقتصاد المصرى تصلح لأن تكون نموذجاً للعمل الريادى المبدع.
الحكاية بدأت بتخرج حسن عبدالله من قسم إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية عام 1982، والتحاقه فى العام نفسه بالعمل فى البنك العربى الأفريقى، وتنقل بين العديد من الإدارات فى البنك حتى تم ترقيته فى عام 1994 لمنصب مساعد المدير العام للبنك، ثم تولى منصب المدير العام فى عام 1999 حتى 2002 حينما صدر قرار بتعيينه نائباً لرئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للبنك.
وواجه حسن عبدالله فى مقتبل قيادته للبنك ظروفاً صعبة ليس على مستوى البنك العربى الأفريقى فقط، وإنما على صعيد القطاع المصرفى ككل، حيث ارتفعت نسب الديون المتعثرة، وتراجعت معدلات السيولة، وانهارت المراكز المالية للعديد من البنوك، الأمر الذى دفع البنك المركزى لإطلاق برنامج الإصلاح المصرفى عام 2003.
وتأقلم «عبدالله» مع التوجهات الجديدة للبنك المركزى خلال هذه الفترة، وواكب أسلوب إدارته المتطور طريقة عمل «المركزى».
وشهد عام 2005 أهم خطوات حسن عبدالله فى البنك؛ من خلال الاستحواذ على بنك «مصر أمريكا» الدولى فى صفقة سجلت 240 مليون جنيه، لتكون التجربة الأولى من نوعها بين بنوك القطاع الخاص بمصر.
وأسهم الدمج فى تعزيز أداء البنك العربى الأفريقى ودعم وجوده بالسوق المصرية، واستمر تحسن الأداء بشكل تدريجى خلال الفترة التى أعقبت عملية الاستحواذ، حتى نجح «عبدالله» فى عام 2015 فى قيادة مصرفه للاستحواذ على محفظة بنك نوفاسكوشيا الكندى فى مصر، محققاً نقلة جديدة للعربى الأفريقى.
كان التطور التكنولوجى، وتحديث أساليب العمل، وتقديم منتجات مبتكرة، والتحوط الشديد ضد المخاطر، هى جوانب الفكر الإدارى التى ركز عليها حسن عبدالله فى قيادته للبنك، فتمكن من صناعة كيان كبير، يعشقه العاملون فيه، ويرتبط به عملاؤه، باعتباره راعياً من الدرجة الأولى لمصالحهم.
ومع مرور السنوات، لاحظ الجميع القفزة الكبيرة التى تحققت فى المؤشرات المالية للبنك العربى الأفريقى والانتشار الكبير له، والتطور المبهر الذى شهدته هذه المؤسسة الرائدة، مما أهلها لأن تكون من المؤسسات الناجحة التى تستهدفها الدولة فى خطة الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية.
ورغم أن عملية الطرح ستتم بعد خروج حسن عبدالله من البنك، إلا أن الجميع سيتذكر دوره المحورى فى تطوير البنك، حيث إنه رفض الخروج للعمل فى أى مؤسسة أخرى رغم تلقيه عروضاً عديدة، حتى يكمل حلمه ويحول «العربى الأفريقى» لمؤسسة قادرة على جذب استثمارات الأجانب فى سوق المال المصرية.
وبالعودة لمسيرة حسن عبدالله، التى لم تقتصر على تطوير البنك العربى الأفريقى، فقد شغل عضوية مجالس إدارات عدد من الجهات، منها معهد التمويل الدولى، والمجلس الاستشارى للأسواق الناشئة EMAC، والبنك المركزى المصرى، والبورصة المصرية، والمجلس الوطنى للتنافسية.
وحرص «عبدالله» على أن يكون له دور محورى فى بناء المجتمع المصرى فتشكلت تحت قيادته مؤسسة «وفاءً لمصر» التابعة للبنك العربى الأفريقى، التى شكلت نموذجاً للعمل المجتمعى البناء الذى يستهدف تطبيق برامج التمويل المستدام.
أتوقع أن المسيرة المتميزة لحسن عبدالله فى البنك العربى الأفريقى، سيستكملها المصرفى الناجح شريف علوى الذى تولى قيادة البنك خلفاً له، كما أتوقع أن يشكل حسن عبدالله إضافة للدولة المصرية خلال هذه المرحلة، لأن هذا الكادر المهم لا بد أن تستفيد به الدولة فى ملفات مهمة تتناسب مع إمكانياته رفيعة المستوى واتصالاته وعلاقاته الدولية المهمة التى تحتاج إليها الدولة حالياً فى خطواتها لجذب الاستثمارات العالمية فى عالم أصبح الأشخاص ذوو الثقل فيه بمثابة معايير نجاح تحسم التنافس لصالح دول دون غيرها.
وأثق أن حسن عبدالله يستطيع أن يقوم بهذا الدور لمصر الآن، خاصة أنه يتحدث اللغة التى يفهمها العالم والتى برع فيها على مدار سنوات، وهى لغة الصفقات الرابحة والعمليات المالية التى تخضع لمعايير دولية منضبطة.