من فقه الأولويات فى الإسلام أن نبدأ بزرع الإيمان قبل الفرائض، وبالفرائض قبل النوافل، وأن نركز على اجتناب الكبائر قبل الصغائر، وأن نهتم بالمتفق عليه ونعرف الناس به قبل ذكر المختلف عليه فى الفرعيات والتهويل منه والدوران حوله.. وألا نحول الصغيرة إلى كبيرة.. ولا الخطأ إلى خطيئة.. ولا الخطيئة إلى كفر.
والسؤال الآن:
هل نعمل الآن بهذه القواعد.. أم يعمل البعض على هدم هذه القواعد؟
ليس هناك على وجه الأرض كلها متحدث حصرى ووحيد عن الإسلام أو الشريعة الإسلامية الغراء بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان يشغل هذا المنصب لأنه يوحى إليه.
وقد اتفق الأصوليون على أن قول الصحابى نفسه ليس حجة فى الدين ويمكن للصحابة الآخرين أو التابعين أو الفقهاء فى كل عصر أن يقولوا رأيا يخالفه.. وقد حفل الفقه الإسلامى بذلك.. وخاصة فى الفرعيات وكذلك المسائل التى ليس عليها إجماع الصحابة رضوان الله عليهم.
وكل من يدعى الآن أنه يمثل الشريعة الإسلامية دون سواه أو يتحدث باسمها دون سواه فهو مخطئ ويضر الإسلام ورسالته ويوقعها فى حرج شديد إذا أخطأ أو قصر أو أذنب.
وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.. وتلك العصمة مستمدة من الوحى ويوضحها قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىّ».. وقد انقطع الوحى بوفاة النبى الكريم.
هل يجوز تمزيق إعلانات الآخرين؟!
أنصار مرشح إسلامى يمزقون معظم إعلانات المرشحين الآخرين سواء الإسلاميون أم غيرهم.. وهذا خطأ أخلاقى كبير ويربى هؤلاء على الاعتداء على حرمات وحريات الآخرين وإقصائهم.. وإذا تم ذلك قبل وصول مرشحهم إلى السلطة.. فكيف يفعلون بعد الوصول إلى السلطة؟!
فعلينا ألا ننسى أخلاق الإسلام فى غمرة تنافسنا السياسى مع الآخرين.. لأن شرعية الوسائل لا تقل أهمية عن شرعية الغايات.
وعلينا أن نربى أبناءنا على التمسك بأخلاق الإسلام حتى إن خسرنا الانتخابات.
فالأخلاق باقية والمناصب زائلة.. ولن يقوم المشروع الإسلامى أبدا على أخلاقيات وسلوكيات لا يرضى الله عنها.. والأخلاق ثابتة والسياسة متغيرة.. فلا تنظروا تحت أقدامكم يرحمكم الله.
الثبات والمرونة سر خلود الشريعة
تكمن عظمة الإسلام فى تميزه بخاصيتين ظاهرهما التناقض وحقيقتهما التكامل، وهما الثبات والمرونة.
الثبات فى العقائد والأركان والغايات والمقاصد والأحكام القطعية.. والمرونة فى الوسائل والآليات والفرعيات التى تتغير من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر.
ويمكننا إقامة دولة مصرية عصرية تأخذ الثابت من الشريعة ولا تصطدم به.. والمتغير من أفضل الأفكار الأخرى، فتأخذ فكرة الحريات العامة ودولة المؤسسات والانتخابات والتعددية السياسية من الدولة الحديثة.. وتأخذ فكرة العدالة والرعاية الاجتماعية دون تأميم أو مصادرة للملكية الفردية من الاشتراكية.
كيف نقيم دولة إسلامية مؤسسية عصرية؟
وبذلك يمكننا إقامة دولة إسلامية حديثة لا تصطدم بثوابت الشريعة وتستخدم الجزء المرن والمتغير منها فى مواكبة العصر، والإسلام يتيح ذلك لأهله.