احتفظ الرئيس مبارك بالجمهورية الثانية التى أسسها سابقه نحو تسع سنوات لتعد استكمالاً حقيقياً لما بدأه الرئيس السادات فيما يخص العلاقات الخارجية سياسياً وعسكرياً وهو كما سبق أن أشرنا كان سر احتفاظ مبارك بوزير الدفاع عبدالحليم أبوغزالة مما يجعلنا نصف هذه الفترة باقتسام النفوذ بينهما، وكان سبب قبول مبارك لهذا الوضع هو ذكاء أبوغزالة فى إخفاء هذا قدر المستطاع على الرغم من أن أكثر المحيطين كانوا يرون هذا ويحاول من وقت لآخر أن يلوح به أمام مبارك الذى لم يرَ مفراً إلا بالخلاص من أبوغزالة فى الوقت المناسب ومع إعلان جمهوريته الثالثة، ويرجع السر فى نفوذ كل منهما لما كان مكلفاً ومطلعاً عليه من قبل الرئيس الراحل السادات فى ملفات واجبة التنفيذ، وقد ارتضيا هذا الاقتسام حتى إن احتفالات أكتوبر كانت تمشى على نفس الوتيرة التى وضعها السادات ولكن مع إلغاء العروض العسكرية خارج حدود الوحدات العسكرية حتى يمكن السيطرة الأمنية ولا يحدث ما حدث فى عرض اغتيال السادات، ومع تولى وزير الإعلام صفوت الشريف حقيبة الوزارة من عام ٨٢ بدأ يرسخ لوضعه، ويعتبر هو مهندس تدشين الجمهورية الثالثة لمبارك مع بداية عام ٨٩، ومنذ هذا التاريخ أوجد لها شرعية (أول ضربة جوية لحرب ٧٣) وأيضاً استرداد طابا، والأكثر من ذلك هو العودة القوية لمصر ومكانتها فى المنطقة العربية، هذا المثلث الذى لعب عليه «صفوت» سرعان ما أضاف له سبباً رابعاً وهو إسقاط الديون العسكرية عن مصر، والحقيقة أن من قام به هو أبوغزالة الذى يعتبر بحق وزير دفاع وإنتاج حربى بالمعنى المتكامل مع أنه يعتبر ثالث وزير دفاع تسند له وزارة الإنتاج الحربى بعد كمال حسن على وأحمد بدوى، إلا أن أبوغزالة هو من طبق النظام العالمى للتسليح فى مصر وما زلنا نستفيد منه حتى الآن وهو ما يعرف بـ«الأوفست» الذى صحبه إنشاء مصنع ٢٠٠ لصناعة الدبابة الأمريكية (أبرامز) والمعروفة أيضاً بـ(إم ا- إيه ١) وأيضاً إنشاء مصنع ٩٩ الحربى وسيكون لنا حديث فى هذا، أما «صفوت» فكان واضع حجر الأساس لجمهورية مبارك بالأسباب السابقة وتسويقها إعلامياً للشعب المصرى والشارع العربى وأضيف إليها فى النصف الأول من التسعينات موقف مصر من (غزو العراق للكويت) والمشاركة المهمة جداً والفعالة فى تحرير الكويت مما جعل لمبارك مكانة خاصة جداً عند حكام وشعب الكويت وبعدها السعودية، ولا يمكن لنا إغفال ما قام به مبارك فى الملف العربى مع مصر أثناء استكماله استحقاق الجمهورية الثانية وساعده فى ذلك ليس البدايات التى قام بها السادات قبل وفاته بأشهر قليلة لكن أيضاً بالرغم مما حدث من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية ومصر فإن علاقات الشعوب كانت مستمرة، بل إنها زادت حتى بلغ عدد المصريين العاملين فى الدول العربية فى ذلك الوقت أكثر من مليونين (فنيين وخبراء ومدرسين وأطباء وقضاة وعاملين آخرين) يؤدون رسالة مهمة حظيت بتقدير الدول العربية، كما استمرت الاستثمارات العربية تتدفق على مصر، وظلت القاهرة هى المكان المفضل للسائحين العرب، بينما تمتلئ الجامعات والمعاهد المصرية بالإخوة العرب، فضلاً عن كليات ومعاهد القوات المسلحة والشرطة التى كان بها عشرات الآلاف من الدارسين العرب حسب الإحصائيات العسكرية فى ذلك.. كما أعلن الرئيس مبارك منذ أن تولى الرئاسة أن مصر لا ترفض المصالحة العربية، وأكد عدم جدوى الحملات الإعلامية بين العرب التى لا تؤدى سوى إلى تضخم الخلافات، وحث وسائل الإعلام والكتاب المصريين على الامتناع عن مهاجمة الحكومات العربية وأعطى تكليفاً لصفوت الشريف بمتابعة هذا وأنها مسئوليته مما جعل للشريف اليد الطولى والكلمة المسموعة لدى الإعلاميين، وفى الوقت نفسه جدد العهد فيما بدأه السادات لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وأوضح موقف مصر من القضية الفلسطينية أمام الحكام والشارع العربى وكان ذلك أثناء زيارته الأولى لأمريكا فى فبراير ٨٢ حيث ذكر مبارك لريجان أنه لن يكون هناك حل لمشكلة الشرق الأوسط بدون حل القضية الفلسطينية لأنها جوهر النزاع وبدون حلها لن يكون استقرار فى المنطقة.