فى قبيلة العبابدة، على الحدود المصرية السودانية، وُلد الطفل ياسين، طفلاً ككل الأطفال، نشأ ياسين طفلاً بريئاً يلعب ويلهو فى قريته فى صعيد مصر، لكنه كلما كبر، شعر بفقره وفقر من حوله.
لمح ياسين على البعد أراضى وأملاك وثروات أغنياء القرية، وهنا ارتبك الشاب الصغير، واشتعل فى صدره غضب كبير، أصبح ياسين شاباً يافعاً قوياً، وأدرك أن لديه قوة تعادل قوة ذاك الثرى القابع فى قصره، غلب الشر يس، وتغلّب على ذاك الفقير المسكين، فأمسك بالبندقية والسكين، وعرف طريق القتل والسرقة والنهب.. لقد تبدّل ياسين.صحت القرية ذات يوم على ترديد اسمه كأبشع شىء ممكن أن يحدث، وصار خبر ياسين ينتقل عبر الصغير والكبير، بعضهم لا يرى فيه إلا قاتلاً، قاسياً، سارقاً، عاصياً، والبعض رآه «روبين هود»، سارق الأغنياء ومعطى الفقراء.
ذاع الصيت، وأخيراً وجد ياسين طريقه إلى المال والثروة، ولكنه مطارد دائماً، خائف دائماً. أصبح يأكل أخيراً حتى يشبع، ولكنه ينام بعين مغلقة والأخرى يقظة، إذا لم تكن السعادة بالمال.. فمتى تأتى راحة البال!فى قرية مجاورة فى قبيلة أخرى كانت هناك بهية، شابة سمراء، مليحة، بهية الطلعة والطلة، سمعت هى الأخرى عن ياسين، ولكن ما سمعته لم يؤذها ولم يخفها، لقد رأته بطلاً قوياً جريئاً، يحصل على ما يريد، ويحصد ما يشاء.
وسقط قلب بهية أسير غرام ليل ياسين المظلم المخيف الموحش، عشقت وجهه الملثم طيلة الوقت، وحركاته السريعة الهاربة، أحبت ذاك الخطر والمجازفة الكبيرة، ألفت أذنها عواء الذئاب ونعيق البوم، حلمت بهية بياسين وبحبه الدفين، وقالت لنفسها: لو أحبنى ذاك الشريد الطريد لأصبحت داره وأهله ووطنه.
وبالفعل أحبها ياسين، ونالت أخيراً حلمها وكل طموحها، لقد أصبحت بهية حبيبة ياسين، وأوشك السر أن يُفضح، فالقبائل قريبة والعشق بها «عجيبة».هربت بهية مع ياسين، عاشا فى مغارته البعيدة، وأصابتها لعنته، فأصبحت مثله طريدة شريدة، يلاحقها عار العشق والهرب معه من العدالة، والنوم قد هرب، لكن بهية لا تعبأ بعد اليوم بأحد، فالعالم بأسره هو ياسين وخطره وشره وقوته وعنفوانه، إن القرى كلها، وبر مصر بأكمله، أصبح يتحدث عن ياسين، وهى حبيبة ياسين، وعاشا معاً، ينعمان بالعشق ويؤرقان كمجرم هارب وعشيقته طريدة أهلها والأعراف والناس.
ومرت الأيام بياسين وبهية، حلوة، تعيسة، شقية، وكان كلما خرج ياسين فى مهمة شيطانية، انتظرته بهية، وقلبها يخشى أن تكون قد رأته للمرة الأخيرة، وياسين كلما تركها كان يترك قلبه عندها، ينزل من مغارته المظلمة فى الجبل، ليعيث فى الأرض فساداً ويثير الجدل!!تحار الشرطة والجيش فى أمر ذاك الياسين، رابض القلب ثابت الجأش، ويتغير اللواءات والضباط ولا يستطيع أحدهم فرض الأمان والانضباط. وفى يوم من الأيام أتى شرطى فارس، همام، يُدعى «محمد حرب»، سمع عن ذاك الياسين فأعلن عليه الحرب، وأقسم أن تكون النهاية وأمان القرية على يديه وفى القرب.
وهناك فى الأعلى، على أطراف جبل المطاريد، وبين من هم للجريمة عبيد، كان ياسين يركض مسرعاً، مختبئاً، وكانت بقربه بهية وطفل صغير رضيع، أمه بهية وأبوه ياسين، كان الرضيع يصرخ من الخوف ومن رائحة الموت التى علقت دائماً بثوب أبيه... لكن هذه المرة الموت يطوق أباه ذاته، يسود المغارة القلق والخوف، يشحذ ياسين أسلحته، ويعمر بندقيته، ويختبئ داخل المغارة، وتقف بهية بالحب واللهفة واللوعة خائرة القوة منهارة، وعلى باب المغارة من الطرف الآخر يقف الضابط محمد حرب، وقد لمعت فى رأسه فكرة تنهى القتل والسرقة وتوقف الحرب.
لقد أشعل الضابط «حرب» دخاناً على فوهة المغارة، وحاصر ذاك الدخان من كانوا بها، وأخذ الهواء يقل والأنفاس تنعدم، فخرج ياسين أخيراً، لم يعد هناك بد، وأصبح يتبادل الطلقات مع رجال الشرطة، ولكن الضابط الهمام، والذى كان ينقذ القطر كله من شر ياسين، قد عاجله برصاصات أربع، نفذت إلى قلبه.
ومات ياسين، وخرج من المغارة ولده ومعشوقته بهيةتوقف الطفل عن البكاء، وأدركت بهية أنها لا بد أن تنجو، هى وطفلها، فتبرأت بهية من عشقها ومن حبيبها، قائلة أمام النيابة ووكيلها، فى سجلات تحقيقها، إن ياسين قد اختطفها، ومن أهلها أسرها، وبأنه على العيش معه أجبرها، وهذا رضيعها، وذاك مخبرها، لكن بزيادة الضغط عليها وعلى أعصابها، اعترفت بهية بجرم عشقها، وخرجت من التحقيق إلى مقصلة قبيلتها وأهلها، واختفت بهية، فقد لحقت بحبيبها، و أصبحت بهية وياسين قصة تُروى على أنغام الربابة، وتدور كل أرجاء مصر المحروسة، وتغنَّى باسمها الشعراء والمغنون وألهمت القاصين.. وبين الحقيقة والأسطورة عاش ومات بهية وياسين.