فى مواجهة أية مشكلة يمكن أن يسلك صاحبها أحد مسلكين: أولهما المسلك العقلانى الذى يعتمد على الحسابات الدقيقة للمكسب والخسارة، ويحرص صاحبه على الإبقاء على خط رجعة مع الطرف الذى تتركب المشكلة معه، وثانيهما هو المسلك الشعبوى الذى يحكمه الانفعال، ما يؤدى إلى اتخاذ قرارات كبرى وخطيرة دون الالتفات إلى العواقب التى يمكن أن تترتب عليها. ويعتمد أصحاب هذا المسلك على فكرة «حرق المراكب»، وعدم ترك أية فرصة للتراجع أو الرجوع التكتيكى عندما تجدّ ظروف جديدة.
منذ وصول الرئيس «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك صعود فى قيمة وأهمية ومستويات توظيف الحلول الشعبوية فى مواجهة المشكلات الدولية والإقليمية. تستطيع أن تدرك ذلك لو أنك راجعت الملاسنات التى وقعت بين «ترامب» ورئيس كوريا الشمالية كيم جونج حول الأسلحة التى يملكها كل طرف و«حجم الزر» الذى يمكن أن يحركه فى مواجهة الآخر. قال كيم جونج إنه يملك فى مكتبه «زر نووى» يستطيع أن يضغط عليه فى أى لحظة ويصيب الولايات المتحدة. فردَّ عليه ترامب قائلاً: «تحت يدى زر أقوى وأكبر». الحوار بين الرئيسين كان شعبوياً بامتياز.
منحنى الحلول الشعبوية فى مواجهة الأزمات يتصاعد فى المنطقة هذه الأيام. فالكل يهدد بسحق الآخر واستخدام ما يملك من أدوات وقدرات وثروات فى الضغط على خصمه وعلى المؤيدين لخصمه وعلى مَن لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث. فأمام أى أزمة تجد مَن يخرج ويهدد بالخيار الشمشونى وهدّ المعبد فوق رؤوس الجميع، وأنه عند الجد لن يبقى على شىء، وسوف يحرق مراكبه ويخوض معركته. ولا خلاف على أن هذا النمط من التفكير يجد له تفسيراً فى أدبيات السياسة. ففى بعض الأحوال يكون سيناريو «الوصول إلى حافة الهاوية» سبباً فى حل أزمة تعقدت خيوطها. ويعنى هذا السيناريو التصعيد والضغط المستمر حتى يتم فرض مسألة التفكير فى حل الأزمة على الجميع. أحياناً ما يصادف هذا الأسلوب نوعاً من النجاح، لكنه فى كل الأحوال يعبّر عن رغبة فى المغامرة التى ترقى إلى مستوى المقامرة التى يعتمد صاحبها على معادلة «كسب كل شىء أو خسارة كل شىء».
إنه التفكير الشعبوى الذى أصبح يسيطر على تفكير البعض، ويغذيه أداء إدارة ترامب القائم على طرح ما كان يتردد على استحياء داخل الغرف المغلقة فى العلن، ويسانده أسلوب المراهقة السياسية الذى يحكم عقل آخرين. وليس فى مقدور أحد أن ينكر أن هذه الطريقة فى التفكير أحياناً ما تؤدى إلى تحقيق نتائج جيدة وحصد مغانم ومكاسب كثيرة، لكن وجه خطورته يرتبط بلحظة يمكن أن تفلت فيها الأمور، تماماً مثلما يفعل زوج وزوجة لا يتورع أولهما عن فضح تفاصيل حياتهما الخاصة فى العلن، فى حين تهدده الزوجة بأن تترك له البيت والأولاد وتبحث عن حظ جديد لها، ويكون هدف كل طرف من ذلك ردع الطرف الآخر، دون تحسب للحظة تزداد فيها الأحداث سخونة، ليصل فيها الاثنان إلى «الطلاق البائن»!.