قامت أمريكا، وتابعتها إسرائيل، بوضع اختبارات لمسار الرئيس الجديد مبارك ووزير الدفاع أبوغزالة، اللذين أتى بهما الرئيس السادات قبل اغتياله وكأنه كان يعد ويطمئن على الوطن بهما، وقد تفهم كل منهما رسالته بعد رحيل السادات وتمسك كل منهما بدوره الذى كان سيؤديه فى وجوده، خاصة بعد أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية فى عام ٨٠، واستشرفت مصر أن حروب المنطقة لن تتوقف بعد حرب ٧٣، كما ألمحت الإدارة الأمريكية، لقد كانت مصانع السلاح مكتظة بإنتاجها لدى القوتين روسيا وأمريكا ومعهما الدول الأوروبية، وعليه يجب فتح سوق أخرى بين دول لديها شغف لعبة «الرست» مع بعضها حيث كانت إيران تبدأ عهدها بالثورة الخمينية وقد سرّحت الكثير من رجال الجيش وزجت بقادتهم فى السجون معلنة الخلاص من نظام الشاه مما أدى إلى تحجيم قوتها العسكرية وهشاشتها لأنها لم تكن كونت بعد الحرس الثورى أو أتت برجال آخرين للجيش وفى الوقت نفسه كان صدام حسين يريد إثبات قوة نظامه بمحاولة رد السيادة الكاملة على شط العرب التى سبق أن تنازلوا عن نصفها لإيران عام ٧٥ بموجب اتفاقية الجزائر مقابل ألّا يقوم الشاه بدعم الثوار الأكراد فى العراق، من هنا كان الوقت مناسباً ليعلن صدام الحرب على بلد ضعيف عسكرياً من جراء ثورة متطرفة دينياً أخافت دول الخليج من أن تمتد إليها خاصة أن لديهم شيعة منهم موالون للثورة الإيرانية، فكان تشجيع صدام للنيل من النظام الإيرانى فى حرب بالنيابة عن منطقة الخليج العربى بأكملها، وبما أن مصر لديها عقيدة راسخة بأن أمن الخليج هو من أساسيات الأمن القومى المصرى فقد قامت بدورها فى دعم العراق من تدريب وتسليح للصمود فى تلك الحرب، ولقد شاهدت فى منتصف الثمانينات ضباطاً عراقيين ينهلون من خبرة الحرب من الضباط المصريين، وقد وقف أبوغزالة إلى أبعد الحدود مع العراق حيث قام بتطوير أسلحة عراقية وأيضاً تطوير كفاءة القوات العراقية، حتى إنها كانت من عوامل غضب أمريكا عليه والإيعاز لـ«مبارك» بالتخلص منه إلا أنه لم يفعل حتى تربصت أمريكا بأبوغزالة وقدمت ما يحرج القيادة السياسية المصرية ولم يعد هناك مفر من إقالة أبوغزالة بجانب عوامل أخرى مترسبة لدى مبارك من وزير الدفاع، أما التربص أمريكياً فكان بخصوص علمها بأن أبوغزالة يؤسس لبرنامج صناعة الصواريخ البالستية بالتعاون مع الأرجنتين وبدعم مالى عراقى وكان من المفترض أن نقوم بتصنيع صاروخ (كوندور٢) الذى بتنفيذه مصرياً سيأخذ اسم (بدر ٢٠٠٠) ولكى تحبط أمريكا هذا التصنيع المهم والمتقدم فى مصر اتهمت أبوغزالة بأنه أوعز إلى ضباط مصريين يدرسون بأمريكا بأن يقوموا بدراسة مكون تكنولوجيا الصواريخ هناك وإرسال أجزاء منها لمصر مهربة وهو ما يخالف قوانين حظر التصدير لبرامج تكنولوجيا الصواريخ، حسب المزاعم الأمريكية. كان ذلك فى عام ٨٨ عندما وشى أحد المصريين التابعين للمخابرات الأمريكية الذى كان مكلفاً بكتابة تقارير عن الدارسين فى مجال التكنولوجيا من المصريين ليتم الإبلاغ عن العميد عبدالقادر حلمى بواسطة العميل (محمد مرسى) الذى صار فيما بعد رئيساً لمصر فى دولة العام الواحد الإخوانية التى لفظها المصريون، وذكرت أمريكا أن أبوغزالة جند أحد الضباط المصريين لتهريب شحنة كربون تستخدم فى صناعة الصواريخ وهرب نحو ٤٢٠ طن كربون على متن طائرة نقل عسكرية متجهة إلى القاهرة وفى عام ٨٩ حاكمت أمريكا العميد «حلمى» بموجب المعلومات التى قدمها «مرسى» وهى ما أطلق عليها قضية (الكربون) ولكن الحكومة المصرية أصرت على الحصانة الدبلوماسية للضباط المصريين الذين ورّطهم «مرسى» العميل بتقريره، وانتهى الأمر بالحكم على حلمى بالسجن لمدة ٤٦ شهراً وغرامة قدرها ٣٥٠ ألف دولار.. وللضغط على القيادة السياسية المصرية لإقالة أبوغزالة طلبت المحكمة الأمريكية استجواب المشير أبوغزالة فى أبريل ٨٩، وهو المرفوض سياسياً وعسكرياً، وحصانة دبلوماسية، ولم يذهب أبوغزالة للاستجواب واكتفت مصر بإقالته.. إلا أن هذا لم يكن هو السبب الحقيقى لأمريكا للخلاص من الرجل الذى اعتنق الاستراتيجية الأمريكية وسخرها لخدمة بلاده فلم يكن برنامج صناعة الصواريخ وحده ولكن صناعة أخرى حصل عليها برضاء أمريكا بعد خوض معارك سياسية شرسة..