حين ُتشق ملامح الليل وتبدأ ليلة نتوعدها وندعو لإدراكها، نشتاق لوشم دعائنا بين أضلع الحياة حتى يحققه لنا رب الحياة، عند وجود الراحة يكمن الحق وحين تتلهف جوارحك لكلامٍ ُمنزل من إله السماء وبين الكلمات تمس فؤادك أية أو كلمة قادرة على طرف العين قطرة دمعة تصحبها تنهيده أمان وطمأنينة، فتتيقن وقتها أن العين إن دمعت لكلمات ترتل فذاك صدق الحديث قد لامس شريان القلب، وما نعمة تطل عليك كنعمة دمعة تذرفها لخالقك تذلل فيها جوارحك أمامه، فالمذلة لله كرامة ولغيره الخزي والهوان.
الصمت عند السؤال قد يكفي فالنظرة إلى ربك تعبر عما تفقده الكلمات، فترفع يديك حاملًا قلبك عليه، وتتوسل بما تحمله من أثر السنين وتراكم الأيام، حرمان نفسك من مذاق حلاوة قربه والوصال بشريان رحمته، حملتها بما يؤذيها وأوديت بها لعالم سراب توهمك وتوهمها بأن الطريق لا رجعة منه.
فكلما ترفع يدك يبس لسانك وجفت شفتاك، وخرج كلام من داخلك لا يسمعه سواك، فتتمتم من أعماقك، أي شيء أقول لك ربي؟! فقدت النطق أمامك رغم أني كثير الكلام، أعلم أنك تسمع ما بداخلي أكثر مني، صراع يجاريه صراع العرب لأنفسهم!
تمزقني نفسي بسلاح شهوة تستهويني مرة، وقلب ُجرح بيدي مرة، قطع صلة رحم، غيبة وأكل لحم الاخرين، رشوة وشهادة زور، البعد عن أي طريق يقربني منك كان هو طريقي!
ربي ما فعلته قد فعله بي غيري، فقد ُجرح قلبي ومن أقرب أشخاص إليه، بلغ مني الظلم والظلام، أعلم أنهم يغتابوني فعاشرتهم بمعروف ولا أبالي، صديق خان عشرتي، وغاب النوم عن جفني وأخذ غيري مكاني وصمت لساني!! لا أبرر تقصيري فكلنا مخطئون، فمتى أعود ويعودون من رأوا مع غيرك مسكن الجنان؟
كل ما تتقرب منه وتتعود عليه تصير مدمنًا له، فمنه إيجابي يرفعك ويظلك، وأخر سلبي يقلل منك ويعدمك، فلما لا تجعل حياتك مع خالقك إدمان إيجابي؟!
فماذا رأيت حين تجولت داخل نفسك، إنه التاريخ الذي تحولت منه من نطفة بالجسد لروح تنبض على الارض، التصديق بالموعود وبما ليس بين يديك موجود هو الإيمان المجرد من الكِبر والصبر عليه حتى يأتيك اليقين، فجنة الدنيا راحة الروح بنور الإيمان والبعد عن أوجاعها، إدمانه بأسباب عليك إتباعها إذا أردت الولوج إليها، فتحتاج لنية خالصة وإذا بدأت الطريق فلا مفر للعودة منه، فخذ حذرك فعلى قدر المقاومة والصبر على المواجهة تصير النتيجة، لا تدخل بيت أكرمك فيه صاحبه إلا نقيًا صافيًا تجاهه، هكذا مع ربك، إذا ابتغيت الطرق على بابه فتخلى عن حقائبك القديمة وأسحب إبرة الإدمان المسرطنة للروح والنفس والمقيدة بسلاسل من أوهام بالعقل وعلة بالقلب، وتيقن أن أعراض الانسحاب تشق الصدر عن ضلعه وتحملك أن تعود عن الطريق فلا تشفق عليها وقاوم نزوتها فستحرك داخلك أوهام السعادة وتقربك للرخوة ومضيعة الوقت والاستسلام لترجعك سيرتك الأولى، فإما أن تموت حياً أو تتحرر من سجانك.
طلب العون ويقين الإجابة من الله هو منارة الطريق فلا تتركه أيًا يكن، لأن من أعوان الأوهام سوء الظن وضعف يقين بالإجابة، فلا تكن كمن علم طريق الصواب فحجب عنه ومال فنٓدِم من بعدها وخسر، عون المحبين هو زاد الطريق يقويك وتستند عليه حين تفقد الوعي وتأتيك صرعات الانسحاب ابحث عنهم جيدًا وستجدهم فقد جعل الله لكل الخلائق محبين على شاكلته، الخروج من هذا الطريق المظلم كان صعباً، والدخول للجهة الاخرى هو الأقسى والأصعب.
لأنك إما أن تقف وتنفذ عزيمتك أو تتجرع من حبات المكارم والأخلاق وإبر الإنسانية وبدرة التقوى، فلكلهم أفرع ومعاني، والتعود عليهم يأتي بالصبر والتدرب، فلتصنع لروحك واقيًا من شر نفسك، ولتطلق عنان الأمل يجوب بصدرك، ولتخرج بكيانك من مداخل البهتان لنور الجنان.