يتمتع إبراهيم عيسى بقدرة فذة على جذب القارئ من أول حرف وكأنه يمتلك مغناطيساً جباراً، ولا يستطيع حتى أعتى مخالفيه وألد أعدائه مقاومة هذه الجاذبية المغناطيسية، ودائماً هو مدهش فى كتاباته سواء الصحفية أو الروائية، ودائماً لديه الجديد على مستوى الأفكار وأيضاً على مستوى اللغة، ولذلك كانت فرحتى بصدور روايته الجديدة «مولانا» لأننى كنت متوقعاً وجبة روائية دسمة ولذيذة ولم يخيب إبراهيم توقعى وظنى.
دعاة التليفزيون هم أحزاب مصر الحقيقية، والرواية التى يبلغ عدد صفحاتها حوالى الخمسمائة والخمسين تتناول كواليس هذا العالم الخفى أو بالأصح تعتمد عليه فى كشف مصارين مصر المحروسة بسونار قلم إبراهيم عيسى، فتنطلق من الشوارع الخلفية لعالم الدعاة إلى ميادين وشوارع مصر حتى تصل إلى قصر الرئاسة نفسه، بطل الرواية الشيخ «حاتم» نموذج عبقرى لداعية يعرف جيدا أنه يمثل دورا ويؤدى نمرة فى سيرك البيزنس الدينى، ويسخر من كل شىء حتى من نفسه، وما إن تتحرك الكاميرا وتضىء حتى يجمع شتاته وينظم ويربط كل صواميله المفكوكة ويتحول إلى النموذج المطلوب الذى ترغبه الزبائن، تحس أن لديه مشروعاً إصلاحياً دينياً مستنيراً لكنه لايرغب فى تحقيقه لأن الزبون المصرى فى هذه الأيام لا يرغب فى سلعة الاستنارة بل يستلذ بالنكهة السلفية فى دروس الدين.
النصف الأول من الرواية مثقل بالجدل الدينى والحوارات حول القضايا الدينية التى أحياناً ما تستهلك عشرات الصفحات وتحس أن إبراهيم عيسى نفسه هو الذى يتحدث وليس الشخصية، وهذا من وجهة نظرى عيب لا بد من أن يتجنبه عيسى فى رواياته القادمة، فقدرة إبراهيم الشخصية على عرض القضايا الدينية الشائكة وتحليلها وتفكيكها بسلاسة ويسر أرجو ألا تغريه دائماً باستعراضها فى الروايات، فهذا مكانه الكتاب والمقال وبطريقة مباشرة، ولا بد أن يترك الروائى إبراهيم عيسى للشخصية الروائية أن تتحرك بحريتها بعيداً عن قيود الصحفى إبراهيم عيسى.
النصف الثانى من الرواية مثير بجوه البوليسى الغامض من مخابرات وأمن دولة ونجل رئيس الجمهورية الذى يتنصر شقيق زوجته ويدعو للمسيحية ثم نكتشف فى نهاية الرواية أنه إرهابى يفجر كنيسة، والفتاة التى تناقشه فى البرنامج عن قضايا دينية وتعترض عليه أحياناً نجدها فى نهاية الرواية ممثلة سابقة فاشلة، والشيخ المتهم بانتمائه للشيعة، والممثل المنبطح شماشرجى نجل الرئيس ومنسق ماتشات كرة القدم التى ينهزم فيها الجميع من أجل عيونه... الخ.
«مولانا» رواية تستحق القراءة، وهى ليست تسالى لب أو فستق وليست رواية مصيف أو بلاج أو فاست فود روائى سريع الهضم وسريع النسيان، إنما رواية تستفز غدد تفكيرك لدرجة الشجار مع صفحاتها والنقار مع سطورها، إلا أنك لا تمتلك فى النهاية إلا تحية مؤلفها على هذا الجهد الرائع قائلاً: تسلم إيدك يابويحيى.