البحث عن المال والرغبة فى اقتنائه سمة أساسية من سمات البشر، ففى ظل وجوده تتيسر معيشة الإنسان وتسهل حياته، وفى حالة شحه تتكدر معيشة الفرد ويتسرب إليه إحساس أكيد بالتعاسة.
وثمة فارق كبير بين النظر إلى المال كوسيلة للتعايش وتمهيد أسس المعيشة، واعتباره الغاية الكبرى للفرد فى الحياة. عندما يصبح المال غاية وليس وسيلة يكون الفرد قد عقد صفقة مع الشيطان، يصبح بمقتضاها عضواً فاعلاً فى «شبكة إبليس».
فواحدة من الألاعيب التى يعتمد عليها الشيطان فى التسلل إلى نفوس البشر والسيطرة عليها تخويفهم من الفقر، يقول الله تعالى: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ»، والخوف من الفقر هو المقدمة الأساسية التى تدفع بالفرد إلى الوقوع فى كل الحماقات وتجاوز كل الحدود من أجل حصد المال.
كيف تصنع فاسداً؟. أنت لا تحتاج لكى تفعل أكثر من أن تزرع بداخله إحساساً بالخوف من شبح الفقر. ففساد الفرد أو المجتمع أساسه محاولة الهروب من هذا الشبح.
وليس عليك لكى تتأكد من ذلك سوى أن تتبع تاريخ بعض الأسماء التى سقطت فى بئر الفساد وستجد أن تاريخها فى الحياة بدأ داخل الأوساط الفقيرة بعشوائيات المدن أو الأرياف، ثم بدأت فى التسلق الاقتصادى عبر شجرة التعليم أو التجارة أو الفهلوة والشطارة وأحياناً الاحتيال من أجل الحصول على خبز يومها، ثم تتطور أحوالها بعد ذلك لتبحث عن توفير شروط ثابتة لحياة ومعيشة أفضل.
عند هذه المرحلة يبدأ شبح الفقر فى التسكع فى إحساس وتفكير «مشروع الفاسد»، ويأخذ فى تخويفه من الاكتفاء، وأن عليه أن يطلب المزيد حتى يأمن من العودة إلى براثن الفقر، ومع كل مزيد يحصل عليه تصبح نفسه أكثر هشاشة وأشد استسلاماً لهواجس الخوف من الشبح الذى يطارده، ويبدأ فى القفز على الطرق الأخلاقية فى الحصول على المال، ليسلك أحط السبل ويستحل كل الطرق من أجل الوصول إلى هدفه.
إذا كانت السرقة والاختلاس والتزوير والرشوة سبيلاً، فعل، وإذا كان الكذب والمخادعة والنفاق والمداهنة وطأطأة الرأس طريقاً، سلك. فى هذه اللحظة يستطيع الفرد المنتفخ بالأورام المالية أن يفخر بأنه أصبح عضواً عاملاً فى شبكة إبليس.
فارق كبير بين أن يكون المال فى جيبك وأن يجرى فى شرايين قلبك. ولا يخفى عليك أن توطن المال فى قلب الإنسان يجعله عبداً له. هناك حديث للنبى، صلى الله عليه وسلم، يقول فيه: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم».
النفس التى تغرق فى العبودية للمال خوفاً من شبح الفقر، هى نفس فقيرة بالأساس. الفقر والغنى حالتان إنسانيتان لهما إيجابياتهما وسلبياتهما.
ولا تعجب إذا قلت لك إن للفقر إيجابياته، تستطيع أن تسأل أياً من أبناء الطبقة الوسطى الذين صعدوا على السلم الاجتماعى أو الاقتصادى عن أيامهم الخوالى ونقاط البداية التى انطلقوا منها وسوف تجد أن حنيناً جارفاً يشدهم إلى هذه الأيام والنقاط، لأنهم كانوا يشعرون فى ظلها بسعادة أوفر، سعادة تجد سرها فى الرضا.
والنفس الراضية هى التى لا يكسرها الفقر ولا يطغيها الغنى.