أخطر ما فى (العدو) السلفى أنه ليس عدواً واضحاً!، الأعداء غير الواضحين هم أخطر أنواع الأعداء.. تحالف السلفيون مع الإخوان حين كانت مصلحتهم فى ذلك ثم غسلوا أيديهم منهم حين وجدوا أن مصلحتهم فى التنصل من الإخوان، وقفوا مع أطياف مختلفة من المصريين فى المشهد الشهير يوم ٣/٧، كان شبابهم فى رابعة وكان شيوخهم ضدها، انقسموا على أنفسهم، بعضهم مع الإخوان وبعضهم مع جموع المصريين ولكل فريق أسانيده الفقهية، لكلٍ أحاديثه، وآياته وتخريجاته ومصالحه!
فى المحصلة النهائية وعلى المستوى الظاهر فإن القيادة المعلنة للسلفيين تناصر الشرعية السياسية، لكن الحقيقة الأكيدة أن السلفية بنشأتها وارتباطها الخارجى، وعلاقة التبعية التى تربطها بأرباب خارج مصر هى أكبر عدو للهوية المصرية.
الحقيقة الأكيدة أنه فى هذه اللحظة التى تعض فيها الدولة المصرية على ثوابتها بالنواجذ، فى هذه اللحظة التى تريد فيها مصر أن تنطلق من كبوة طويلة استمرت أربعين عاماً، فى هذه اللحظة التى نريد فيها كمصريين أن نستعيد ملامح وجه مصر الذى أخفاه النقاب حيناً، وتاهت ملامحه فى التبعية الحضارية حيناً آخر.. فى هذه اللحظة علينا أن نحدد ما هى السلفية؟ السلفية ليست مذهباً فقهياً.. السلفية فى التوصيف السياسى هى تعبير عن تيار شديد اليمينية والتطرف، فكرته الأساسية تقوم على كراهية كل مختلف، كل من ليس ذكراً مسلماً سنياً هو هدف لتيارات كراهية عنصرية من السلفيين، كل قبطى مصرى هو هدف لكراهية السلفيين، كل امرأة هى هدف لكراهية السلفيين ما دامت أدركت أنها كيان مستقل عن الرجل، كل اجتهاد دينى أو فكرى خارج عن أقدم التفسيرات وأكثرها جموداً وتطرفاً هو هدف لعداء السلفيين.. منذ سنوات طويلة وفى السبعينات سافر قادة السلفية فى مصر إلى بلاد غير بلادنا.. بكل المعايير السياسية تم تجنيدهم، تحولوا إلى عملاء لدول غير الدولة المصرية، عادوا محملين بالملايين والمليارات.. استباحوا مصر فى غيبة متعمدة للدولة المصرية زمن مبارك، تحولوا إلى وزارات موازية للصحة والتعليم والشئون الاجتماعية، وإن تقاسموا ذلك الدور مع الإخوان.. والنتيجة هى ما نراه الآن فى الشارع المصرى، تدين شكلى، وادعاء تدين بلا دين حقيقى، وتواكل، وعدم إيمان بقيمة العمل، ولا الإتقان، وكراهية للعلم، وللحرية.. وهى كلها قيم أدعى أن السلفيين زرعوها فى مصر عامدين متعمدين، ذلك أنهم زرعوا فى عقول المصريين القيم التى تعلموها فى مجتمعات أخرى تعيش على (الريع) ولا تؤمن بقيمة العمل، وترى أن الشعوب قد تعيش على الغنائم التى تربحها فى الغزوات والحروب حيناً، وعلى عوائد ما يتفجر من باطن الأرض حيناً، لكنها أبداً لم تعش على عائد العمل، وهى قيم مخالفة تماماً لقيم الفلاح المصرى، الذى يعلم جيداً أنه لن يكسب رزقه ما لم يشق الأرض بفأسه ليزرع البذرة، ويتعهدها بالرعاية والحماية حتى تنمو، ثم يحصد الثمرة كمكافأة له على ما بذل من جهود على مدار العام.. هذه الطبيعة التى تنتظر الريع أو (الفىء) لتعتاش منه، هى أيضاً طبيعة مختلفة عن طبيعة المصريين من الصناع المهرة أحفاد وأبناء (حسن أرابيسك) الذين حملهم معه الخليفة العثمانى سليم الأول إلى الأستانة باعتبارهم أغلى ما يمكن أن يحصل عليه من مصر بعد أن غزاها فى نهاية عهد الدولة المملوكية، هؤلاء الصناع المهرة هم أجداد المصريين الحاليين الذين بتنا جميعاً نعرف أن معظمهم بات لا يطيق صبراً على العمل، وينتحل العذر تلو العذر حتى يتنصل منه ومن تبعاته.. فما الذى جرى إذن للمصريين؟ ومن الذى أحدث كل هذا القدر من التشوه فى حياة المصريين؟ إن لم يكن السلفيون الذين فتحت لهم عقول المصريين يغزونها كيف شاءوا ومتى شاءوا.. إن لم يكن من خلال المساجد، فمن خلال شرائط الكاسيت المدعومة حيناً، والفضائيات المسمومة حيناً، والكتب المجانية حيناً.. وقد آن الأوان لأن يتطهر العقل المصرى من كل هذه السموم، ذلك أن النهضة لا تصنعها القوانين والقرارات السياسية والاقتصادية، ولكن تصنعها فكرة يعتنقها الشعب ويسير وراءها، وحتى الآن فإن فكر النهضة لم يغزُ عقول المصريين، ولذلك حديث آخر.